بداية أود أن ألفت عناية القراء إلى أنني من عشاق مشاهد صناعة مشروع تمرير الميزانية، الأمر الذي لا يخلو أبدا من صراعات؛ لأنه أحد الأعمدة الأساسية في الدورة الانتخابية، وهو ما يميز بصراحة تفاصيل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم، تلك الأنثروبولوجيا العميقة التي مازلنا نتعلم منها.
ومن هذا العنوان والشغف، أسجل بدايات تصاعد المنافسة على مشروع تمرير الميزانية، والذي لأول مرة تتحفظ دار الحكومة الموقرة على تسريبات لشكل مشروع الميزانية العامة، والذي كنت لا أجد سببا إلا بسبب انشغالنا جميعا بمظاهر الاحتفال باليوبيل الفضي، على عكس ما شهدناه تماما من شكل تمرير مشروع الميزانية الماضية، والتي أشغلت الشارع البحريني لمدة فصل تشريعي كامل، على الرغم من أنه كان دون أي متغيرات بسبب التزامات مملكة البحرين ببرنامج التوازن المالي الذي تحاول الحكومة مشكورة الالتزام به.
ومن أحداث الجلسة الماضية، والتي على ما يبدو أن أحداثها العميقة لم تلفت نظر الصحافة بسبب بساطة الرصد، وعدم خبرة الإلمام بعمق مشاهد جلسات صناعة الميزانية العامة، والتي بدت ظاهريا باحتجاجات ضد عمل رئيس اللجنة المالية في بعض الاتفاقيات، والتي كانت على بنود جدول الأعمال، ثم توالت مداخلات جميع النواب في مواضيع متعاقبة تشمل بعض المرئيات والاقتراحات التي تم رفضها من قبل اللجنة المالية، والتي قد أجزم بأنها رسالة احتجاج واضحة على عدم كشف ملامح شكل الميزانية العامة، والتي بت أتفهم أكثر أسباب الحكومة لذلك، محاولة منها لحماية مشروعها.
مداخلات النواب في الجلسة السابقة المتوالية على الرغم من الانتقال من بند إلى آخر، وإقحام رئيس اللجنة المالية شخصيا في عدم الالتزام باللائحة الداخلية على الرغم من مشاركة أعضاء اللجنة المواضيع والتصويت عليها، الأمر الذي بدا غريبا بعض الشيء ولافتا إلى أنه قد يوحي بأن بنود جدول الأعمال جاءت معدة لبدء الهجوم على رئيس اللجنة المالية وتحميله مسؤولية الميزانية العامة قبل ولادتها، والذي لم أجد له تفسيرا لذلك.
الأمر المثير يبدو أن رئيس اللجنة المالية، وحسب المعلومات، عاد مستعجلا من الهند فقط لحضور الجلسة ولم يكن على استعداد لنوعية الانتقادات الموجه له من قبل الأعضاء، وحاول الاستدراك أثناء الجلسة لسحب جميع الاتفاقيات وتصحيح بعض الأمور وإرسال رسالة تهدئة بأن العمل بينه وبين زملائه سوف يكون على أساس التعاون.
وقد أتفهم سبب قلق أصحاب السعادة النواب حتى على رغم تطمينات دار الحكومة الموقرة عن نوعية الوعود التي قد تحمل حلولا جذرية لبعض المشاكل، إلا أن البعض قد ذهب إلى أقصى اليسار بتحشيد الشارع بمعلومات تفرض رفع الضريبة المضافة، على عكس الخطة التي تهدف إلى توفير مناخ وأرضية إيجابية لولادة مشروع تمرير الميزانية العامة بقبول مجتمعي وليس التكسب من وراء ذلك، إلا أن الجلسة السابقة قد جسدت ملامح أزمة الثقة بين سعادة النواب وبين دار الحكومة نستثني رئيس اللجنة المالية؛ بسبب ضيق الوقت، وبأن بدء المناقشات سوف يكون من بعد الشهر الفضيل، ما يترك المجال إلى أقل من ستة أسابيع لصناعة التوافقات!