في الذكرى الرابعة والعشرين لميثاق العمل الوطني.. نستعيد نفحات ذلك اليوم المبارك الذي وصفه حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه بأنه “غرة أيام البحرين”.. نستعيدها ونحن ننظر بعيون الوطن الى ما كان عليه الميثاق في ذلك اليوم ، من وثيقة جامعة ؛ وقرار وطني واحد ؛ ومبادئ راسخة ؛ ووعد ركين، وما آل إليه من إنجازات وطنية واصلاحات دستورية وتطوير مؤسسي وترقية لمفاعيل العمل الوطني مست كل جوانب الحياة وحملت معها أحلام وطن وامنياته ؛ وتطلعات قيادته وشعبه الى ما نحن عليه اليوم..
لقد كان يوم الميثاق الوطني ، يوما مباركا في الأيام، ذاقت فيه البحرين لأول مرة في تاريخها الحديث طعم الإجماع الوطني ، وتذوقت فيه حلاوة القرار الوطني المدروس والمتفق عليه بإجماع الأمة على الالتفاف حول القيادة التي انبثق الميثاق من فكرها وتحقق بعمل يديها وتشكل برؤيتها ورؤية الشعب كافة ، ليكون وثيقة بيعة مشتركة للوطن والقائد ، ووثيقة التقاء أبدي بين أماني شعب وطموحات وطن ورؤية قائد.
تاريخيا يمكن القول الآن أن الميثاق الوطني البحريني كان حدثاً فريداً وغير مسبوق على مستوى المنطقة.. ولكن الحقيقة أن خطوات ملكية إصلاحية وافرة ومتنوعة وعميقة مهدت الطريق أمامه، ليكون “غرة أيام البحرين”، كما وصفه قائد الوطن، ويسجل في سفر التاريخ المعاصر للبحرين والمنطقة كلحظة فارقة مضيئة هي الأكثر مجداً بين اللحظات، والأعمق رؤية بين الرؤى ، والأبقى في تاريخ البحرين وسجل إنجازاتها الوطنية.. ولذلك فإن الإعلان عن ميثاق العمل الوطني شكل نقطة تحول أساسية في تاريخ مملكة البحرين، حيث تضمن بيعة من الشعب للقائد وتجديداً لشرعية الحكم واتفاقا بين مختلف فئات الشعب وقطاعاته وطوائفه جسد إجماعاً وطنياً غير مسبوق لدعم المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، الذي أحدث نقلة نوعية في أسلوب الحكم والمشاركة السياسية، وفتح آفاق الحريات ووسائل التمكين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمواطنين والمؤسسات وجعل المرأة شريكا رئيسيا في كل ذلك ومنحها حق التصويت والاقتراع والترشح للمجالس التشريعية والمشاركة في القرار وفي العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي جنبا الى جنب مع الرجل..
وفي كلمته التاريخية التي رافقت تدشين ميثاق العمل الوطني، وصف صاحب الجلالة تلك اللحظة بأنها “لحظة مجيدة في مسيرتنا المشرفة”، مشيراً إلى أن يوم الاقتراع على الميثاق سيبقى في ذاكرة البحرينيين وفي تاريخهم الحديث حدثاً يستحق الاحتفال ووثيقة تستحق الإجلال ويوما يستحق التذكر. وكتب جلالة الملك حفظه الله ورعاه فيما بعد عن “ذلك اليوم الربيعي من شهر فبراير” قائلاً: “إن صور ذلك اليوم ستبقى حية في وجداني، لما مثلته من بيعة متجددة وتفويض وطني لنا”. وقلنا نحن: نعم.. نعم للمليك القائد .. ونعم للبرنامج الملكي الإصلاحي.. ونعم للميثاق عهدا وطنيا خالدا ووثيقا.. ونعم لتلك الرؤية الاستشرافية العميقة.. وفي “ذلك اليوم الربيعي”، اختارت البحرين أن تكون في الجانب الصحيح من التاريخ.. وقررت أن تكون إلى جانب مليكها الواعد، حمد بن عيسى آل خليفة، تعمل معه بمجموع قواها ومقدراتها وإجماع شعبها على تجديد تاريخها المضيء وفتح الآفاق أمام مستقبلها المشرق.
وحين نستعيد اليوم اللحظات والايام والاجتماعات واللجان التي سبقت الميثاق الوطني وقادت إليه ، وتلك التي ترتبت عليه واستكملت أهدافه ومراميه وضمنت تاريخيته وفرادته نجد أن الذاكرة الوطنية تتضمن الكثير من محاضر الجلسات الحوارية التي قادها سمو ولي العهد حفظه الله ، لوضع مبادىء الميثاق كروافع وطنية للعمل وتحويلها الى مكتسبات وطنية للإفضاء بالوطن الى ما بعدها من منجزات وانجازات.. كانت تلك اللقاءات غنية وثرة وشاملة، حيث سادت فيها روح الوطنية الصادقة وعقلية العمل الجاد، مما أدى إلى تحقيق تفاهمات وطنية تجمع بين جميع الأطياف ، وترسم الطريق للوطن وهو ينتقل الى عصر الحداثة والتكنولوجيا والتقدم والإبداع..
واليوم، لا يكفي أن نستذكر تلك الحوارات والخطوات الملكية التي قادت الوطن إلى لحظة تاريخية، بل يجب علينا استحضار روح الميثاق والطموحات التي قادته. فقد كان العمل على إنجاز هذا المشروع الإصلاحي هو التعبير الأنقى والأصفى والأكثر صدقاً عن العلاقة الوثيقة بين القائد والشعب، والتي فتحت آفاقاً واسعة أمام التطلعات الوطنية.
من هنا، يمكن القول إن الميثاق الوطني كان بمثابة عهد ملكي وعقد شعبي للإصلاح والنهضة والوحدة الوطنية ، وكان قرارا وطنيا يجيب على السؤال الخالد: نكون أو لا نكون.. وكان اختيارنا جميعا أن نكون.. وكان قرارنا جميعا أن نكون.. وكان ميثاق العمل الوطني هو خلاصة ذلك كله؛ وثمرة ذلك كله؛ وكان وثيقة خالدة لميلاد وطن جديد..
إن احتفالنا بذكرى الميثاق يمثل احتفالاً بأصول وبواعث النهضة البحرينية الحديثة، التي قادها جلالة الملك، لننتقل من عهد إلى آخر ومن عصر إلى عصر.. ومن عهد الى عهد.. ومن يوم ماض بائد الى يوم حاضر مضيء ورائد وغد مشرق وواعد.. وكل عام والوطن بخير، ومليكنا بخير، وشعبنا بخير، وميثاقنا بخير..