تكاد مسيرة أم كلثوم الغنائية على امتداد خمسين عاماً تتوزع بالمناصفة بين العهد الملكي و العهد الجمهوري. ومع أن أعمالها الغنائية خلال العهد الأول هو الأكثر حجماً، فإن أغنياتها خلال العهد الثاني- الجمهوري- لا تقل أهمية وإبداعاً عن العهد الأول في جميع الأغراض الشعرية، وعلى الأخص الدينية منها والعاطفية والوطنية. أنصب أهتمام أم كلثوم خلال العهد الملكي في المقام الأول على تطوير فنها الغنائي الذي كرست له حياتها بكل السُبل الممكنة، ولم تنخرط في أي حزب أو حركة سياسية، مع أنها غنت عدداً من الأغاني في تمجيد الوطن،بدءاً من أغنية " إن يغب عن مصر" في رثاء زعيم الأمة سعد زغلول( 1927) وهي من كلمات أحمد رامي والحان محمد القصبجي، و مروراً بأغنية نشيد الجامعة( 1937) من كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي، وأغنية زهر الربيع التي غنتها بمناسبة تأسيس جامعة الدول العربية1945 من كلمات محمد الأسمر وألحان زكريا أحمد، وليس انتهاءً بنشيد الشباب( نادى المنادي) من كلمات رامي وألحان السنباطي، وهي لتحفيز همم الشباب لنصرة الشعب على إثر نشوب الحرب العربية - الإسرائيلية في 1948 التي انتهت بنكبة الشعب الفلسطيني.
وبناء على ما تقدم نرى ليس من مسوغ انتقاد كثرة من الأنتهازيين قلة من الناصريين واليساريين أغنياتها التي أدتها في المناسبات الملكية ومحاكمتها كمجرمة، مع أن بعضها غنتها في مناسبات إنجازات تنموية لصالح الشعب، كأغنية "النيل" التي غنتها بمناسبة وضع حجر الأساس لمشروع توليد الكهرباء خزان أسوان 1948، وهي في الأصل قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي المتوفي 1932، من ألحان السنباطي، عدا ذلك فإن زعيم ثورة يوليو 1952 جمال عبد الناصر هو نفسه رفض منع بث أغانيها من الإذاعة، إن صح ما تردد ذلك حينئذ، ففي حين يؤكد أحد مؤرخي الست، نبيل حنفي محمود، عدم وجود هذا الرفض( الهلال، فبراير 2002) فإن مؤرخاً آخر من مؤرخيها،الباحث حنفي المحلاوي، يؤكد وجود ذلك الرفض مستشهداً بشهادة للصحفي الشهير مصطفى أمين التي أكد فيها بأنه أبلغ عبد الناصر بذلك هذا المنع ( حنفي المحلاوي، أم كلثوم، خمسون سنة سياسة، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة 1999).
والحال فإن عبد الناصر، عدا كونه ضابطاً وطنياً قاد انقلاباً على النظام الملكي 1952 الذي عُرف لاحقاً ب "ثورة يوليو" فإنه نفسه كان من عشاق أغاني أم كلثوم، كسائر النخبة الوطنية المدنية والعسكرية الذين رغم غنائها للملك الراحل فإن مشاعر عشقهم الوجداني لفن وغناء كوكب الشرق ظلت مسيطرة عليهم بعيداً دون تأثير لأي اعتبارات سياسية متشددة. وهذا ما كان يدركه عبد الناصر جيداً، نعني مكانة الست في قلوب المصريين،فشرع في توظيف فنها الجماهيري على الصعيدين المصري والعربي في خدمة صعوده الشعبي والقومي . بل يمكن القول بأن ما تغنت به أم كلثوم في تمجيده يُقارب ما غنته في تمجيد الملك فاروق .