العدد 5963
الإثنين 10 فبراير 2025
أم كلثوم وفيروز.. بين عبد الوهاب والسنباطي
الإثنين 10 فبراير 2025

مع أن محمد عبد الوهاب وُفق إبداعياً في معظم الألحان التي لحنها للست بعد " لقاء السحاب"  الشهير عام 1964، إلا أنه فشل من جهة أُخرى في تجربة غناء المطربة اللبنانية الكبيرة فيروز لبعض أغنياته التي سجلها على إسطوانات في عشرينيات القرن العشرين، ذلك بأن هذه  الأغنيات إنما كانت مفصلة لحناً على مقاس صوته الذهبي القديم، على حد تعبير الناقد كمال النجمي، وكان صوت عبد الوهاب يتسع لأربعة عشر مقاماً فيما يتسع لصوت فيروز لثمانية مقامات فقط. وحتى بعد ما حاول الرحابنة إجراء عملية جراحية لتقليص إمتداد المقامات لتناسب صوت فيروز بدت العملية عصية على النجاح المأمول، من وجهة نظر  النجمي نفسه،  و الذي رأى أيضاً بأن حتى صوت فيروز نفسها  ظُلم بتلك العملية، باعتباره صوتاً متميزاً وذا خصوصية ونبرات مميزة في الأداء، ومن الواضح أن عبد الوهاب نفسه قد أدرك هذا الفشل في قرارة نفسه، فما كان منه إلا أن عوض ذلك الفشل بتلحين ثلاث أغنيات من أروع أغاني فيروز: "أ سهار"، من كلمات الأخوين الرحباني عام 1961،"مر بي" من كلمات شاعر لبنان الكبير سعيد عقل، عام 1968، "سكن الليل" من كلمات جبران خليل جبران 1967. وما كان لألحان عبد الوهاب أن تنجح في هذه الأغاني الثلاث لولا أنه تمكن من توظيف أقصى عبقريته الموسيقية الإبداعية لنفح صوت فيروز الملائكي أجمل الأوتار. 

وإذا كان كلا الموسيقارين الكبيرين رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب قد نجح في تقديم أعمال موسيقية عظيمة في تلحين أغاني أم كلثوم، على تفاوت حجم أعدادها بينهما، إذ أن أعمال الأول هي الأكثر من الثاني بما لا يُقاس، باعتباره الأسبق في التعاون معها،فإن السنباطي فشل في استنباط الألحان المناسبة لصوت فيروز، وظلت مترددةً في قبول ألحانه بعد تسجيل بروفات الأغاني الثلاث المتفق عليها بينها وبينه، إذ عتبرتها  ألحاناً غير مناسبة لمقاييس صوتها وخصائصه المميزة، وبدت بروفات ألحانه لها لا تخلو من لمسات ألحانه لأم كلثوم، فظلت حبيسة الأدراج. وهكذا فقد بدا السنباطي كما لو كان الأكثر جدارةً في التخصص والإبداع بما يتناسب طبقات صوت كوكب الشرق، ولذا فلا غرابة إذا ما عُد هو صاحب الرقم الأعلى بين الملحنين في مجموع  الأعمال المقدمة لها، حيث بلغت تسعين إغنية. ويُحسب لأعمال السنباطي وأم كلثوم المشتركة الفضل في نشر وتذوق قصائد الفصحى في أوساط النخبة والعامة على السواء، إذ كانت تحظى بإقبال جماهيري كبير، فضلاً عن القصائد العامية. وقد بدا الإبداع الموسيقي الذي برع فيه السنباطي في ألحان أغانيها كما لو قُد قداً على أوتارها الصوتية المميزة، ومن تلك الأغاني الفصحى والعامية التي لحنها لها: أراك عصي الدمع 1965، وهي من أشهر قصائد أبي فراس الحمداني،  أروح لمين 1958 وهي قصيدة عامية من كلمات عبد المنعم السباعي، "بغداد"1958 من كلمات محمود حسن إسماعيل، وهي إغنية وطنية غنتها احتفاءً بثورة 14 يوليو/ تموز العراقية 1958، "الحب كده" 1959، وكما هو واضح من عنوانها عامية من كلمات محمود بيرم التونسي،    أقبل الليل" 1969 وهي من قصائد أحمد رامي الفصحى، رباعيات الخيام 1951 وهي من كلمات الشاعر الفارسي المشهور عمر الخيّام، ترجمة أحمد رامي، وسبق للست أن غنتها مرتين لأثنين من كبار الملحنين : مرة في 1926 بتلحين عبده الحامولي، ومرة في منتصف الأربعينات بتلحين الشيخ زكريا حمد، لكن تظل الأغنية التي غنتها بتلحين السنباطي هي الأكثر جماهيريةً وانتشاراً.

وبالإضافة لتلك الأغاني غنت ثومة من ألحان السنباطي "مصر تتحدث عن نفسها"1950  من كلمات شاعر النيل حافظ إبراهيم ، وهي من أروع الأغاني الوطنية التي تمجد مصر، و "مصر اللي في خاطري ودمي" 1952، من كلمات أحمد رامي، وهي أيضاً من روائع الأغاني الوطنية المصرية،  "هجرتك يمكن أنسى هواك" 1959،من كلمات أحمد رامي،  "دليلي احتار" 1955 ،من كلمات أحمد رامي.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .