تأخر موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عن تلحين أغان لكوكب الشرق ما يقرب من أربعة عقود على بدايات صعود نجميهما في منتصف القرن العشرين حتى أواسط الستينيات، حيث سطع نجماهما في “لقاء السحاب” 1964، ويرجع سبب هذا التأخر كما يجمع النقاد للمنافسة المحتدمة بينهما على الساحة الغنائية، خصوصًا في الفترة التي كان فيها عبدالوهاب نجمًا غنائيًّا كبيرًا كما بدا في أغانيه التي غناها فيلم “الوردة البيضاء” 1932، ثم انطفأت بعض طبقاته الصوتية في أغاني فيلم “دموع الحب” قبل أن تتراجع طبقاته العالية وما اعترى أوتاره الصوتية من خشونة في أوائل الثلاثينيات، حتى اختفى تمامًا ذلك الصوت الكرواني المتألق في فيلم “يحيا الحُب” 1936، وهذا حسب تقييم الناقد كمال النجمي. ومن الواضح في سيرة أم كلثوم الغنائية أنها لا تحبذ أن يكون ملحن أية أغنية من أغانيها هو في الوقت نفسه مطربًا، حتى لو لم يكن منافسًا خطرًا لها على ساحة الطرب، ولعل هذا يفسر لنا أحد أسباب فشل الموسيقار والمطرب الكبير فريد الأطرش في التلحين لها.
ومنذ العام الأول لتأسيس الإذاعة 1934 اشترطت كوكب الشرق على الإذاعة أن تحصل على أعلى أجر بين كبار المطربين والمطربات، فجاء عقدها الأول مع الإذاعة مساويًا لأجر عبدالوهاب الأسبق منها في التعاون مع المحطة (25 جنيهًا)، وهكذا ظلت أجورها في العقود المبرمة مع الإذاعة تتصاعد حتى أصبحت هي الأعلى بين كل المطربين والمطربات، ولا سيما منذ منتصف الأربعينيات في أعقاب تعزز نفوذها النقابي ونيلها لقب “صاحبة العصمة” من الملك فاروق، حتى وصل أجرها إلى 360 جنيهًا. (
وحينما فاوضها عبدالوهاب عام 1946 نيابة عن شركة “كايرو فون” -باعتباره شريكًا فيها - حول تسجيل أغنياتها السابقة اشترطت أن ينص العقد على أن تتقاضى ألف جنيه عن الأسطوانة الواحدة، هذا بخلاف اشتراطها أن يتقاضى القصبجي والسنباطي 100 جنيه لكل منهما، وأن يكون نصيب الملحن الكبير زكريا أحمد مئتي جنيه، وهو ما رفضه باعتباره غير منصف ولا يليق بمكانته (انظر في هذا الشأن: نبيل حنفي معارك فنية، “ص 157 - ص 173”).
وعودة إلى “لقاء السحاب” بين أم كلثوم وعبدالوهاب، والذي أُطلق على أول عمل مشترك بينهما في أغنية “أنت عمري” عام 1964 والتي غنتها الأولى ولحنها الثاني، وهي من كلمات أحمد شفيق كامل، فهذا اللقاء ما كان ليتم لولا تدخل شخصي من الرئيس جمال عبدالناصر وتحفيزه إياهما على هذا اللقاء، ثم توالت بعدئذ أعمالهما الفنية الإبداعية الشامخة، كما غنت من ألحانه في العام نفسه أغنية “على باب مصر” من كلمات كامل الشناوي، ثم توالت أعمالهما المشتركة غناءً وتلحينًا في ثماني أغان: “أنت الحب” 1965 من كلمات أحمد رامي، “أمل حياتي” عام 1966، وهي من كلمات أحمد شفيق كامل، “فكروني” 1966، وهي من كلمات عبدالوهاب محمد، “هذه ليلتي” 1968 وهي من كلمات عبدالوهاب محمد، “أصبح عندي الآن بندقية” 1969، من كلمات نزار قباني، “دارت الأيام” 1970، من كلمات مأمون الشناوي، “أغداً ألقاك” 1970، من كلمات الهادي آدم، “ليلة حُب” 1971 من كلمات أحمد شفيق كامل. ويصف الناقد الفني الياس سحاب ثلاثاً من هذه الأغاني هي: “على باب مصر” و”هذه ليلتي” و”أنت الحب” بأنها تتميز بتكامل واضح من أولها إلى آخرها، وباقتراب من الكمال الفني والعمارة الموسيقية الشامخة. أما “فكروني” و”دارت الأيام” و”غداً ألقاك” و”أمل حياتي” و”ليلة حب” فتتميز بغزارة الجمل الموسيقية الجميلة، حتى مع نعته لحن الأخيرة بأنها أضعف الألحان، وهذا ما يراود في تقديري مستمعوها المتذوقون للموسيقى من إحساس.
كاتب بحريني