لم يعرف في تاريخ الموسيقى والغناء العربي الحديث أن كتب شاعراً مُتيماً بحب فنانة كبيرة مطربة كما في علاقة الشاعر المصري الكبير أحمد رامي بها، ففي الغالب يكتب شعراء الأغاني أغانيهم من وحي مخيلتهم الإبداعية بعيداً عن عواطفهم الوجدانية الصادقة،وهكذا الحال فيما يتعلق بالمطربين والمطربات حينما يؤدون أغانيهم، لكن أحمد رامي كان ينظم قصائده المخصصة لأم كلثوم بحبر دم قلبه وليس من وحي مخيلتها الإبداعية فحسب، فهي قصائد معبرة تعبيراً صادقاً عن هيامه وحُبه الجيّاش نحو الآنسة " "ثومة"، وهذا ماكانت تدركه جيداً أم كلثوم باعتبار أشعاره المحرك لصدق عواطفه نحوها. وقد ظلت علاقة رامي بكوكب الشرق وأشعاره بغنائها تشكل على الدوام محوراً أساسياً لدى كتّاب سيرتها، لا يمكن استبعاده بأي حال من الأحوال، وإذ يقدّر بعض مؤرخي أم كلثوم مجموع الأغاني التي غنتها طوال مسيرتها الفنية الغنائية ب 283 فإن 137 أغنية منها من نظم رامي. جاء اللقاء الأول بين الشاعر والفنانة الكبيرة مبكراً قبل استقرارها النهائي في القاهرة، ففي مساء 24 يوليو عام 1924 أحيت " الست" حفلاً غنائياً على مسرح الأزبكية مرتدية الجلباب والعقال لتغني من كلمات رامي " الصب تفضحه عيونه" وهي من ألحان الشيخ أبو العلا محمد، وكان رامي قد حضر الحفل خصيصاً ليسمع بأذنيه كيف ستؤدي المطربة الجديدة الصاعدة كلمات شعره ، وقد انبهر بأدائها وصوتها أيما انبهار.كان سن رامي عندما التقاها في الحفل في الثانية والثلاثين عاما، فيما كان سنها نحو 26 عاماً.على أن الحُب الذي ربط قلب رامي بأُم كلثوم كان حُباً حقيقياً لاريب فيه. لكنها من جانبها حرصت أن تظل قصائد رامي متيماً بحبها، تغني بأشعاره التي يفرح ويحزن ويتألم في عشقه، وهو يواصل نظم تلك القصائد راضياً مرضياً بهذا النمط من هذه العلاقة الغامضة،باعتباره شاعراً متصوفاً في حياته كما في حُبه طيباً وديعاً زاهداً في حُب الامتلاك لا يجد سعادته على حد تعبير الناقد رجاء النقاش إلا في التعبير الجميل عن عاطفته الصادقة، حتى وإن لم ينته حبه لها بالزواج الذي ظل مستحيلاً، حتى أن الناقد محمد مندور وصف قصتهما قائلاً: " إن قصة رامي وأم كلثوم وما قاله فيها من شعر فريد في تاريخ الأدب هي قصة نحسبها أقرب إلى الأساطير منها إلى تجارب الحياة". كما وصف النقاش أن شعر الحُب بين المتزوجين لا يمكن أن يكون معبراً في الشعر كما في علاقة المحبين قبل الزواج. وقد استمر حُب رامي لأم كلثوم طوال مسيرتها الغنائية الخمسينية منذ نهاية الربع الأول من القرن العشرين حتى نهاية الربع الثالث من القرن عام 1975 عند رحيلها من دنيانا، وهو إذ يكبرها بست سنوات فقد شاء القدر أن يرحل عن عالمنا عام 1981، أي أيضاً بعد ست سنوات من رحيلها أيضاً . وقد غنت أم كلثوم لرامي ثلاث قصائد بالفصحى ثم أقنعته بأن يكتب قصائده بالعامية لتكسب جماهيرية أكبر في أوساط الطبقات الشعبية، وتنوعت قصائده بين العاطفية والوطنية. وهو إذ ظل يُعرف بشاعر الشباب طوال حياته فلم يكن ذلك إلا لأنه بدأ مسيرته الكتابية الشعرية في مجلة تسمى "الشباب" لصاحبها عبد العزيز الصدر .