العدد 5943
الثلاثاء 21 يناير 2025
النرجسية.. هل تُضعِف المجتمع؟!
الثلاثاء 21 يناير 2025

مع صباح كل يوم جديد، نتوقع أن يكون جميلاً مُشرقًا ومصدرًا للأمل والسعادة، فصرنا نتفاجأ بأمراض جديدة، إضافةً إلى الأمراض التي نعاني منها ويعاني منها المجتمع، مثل الغيرة والحسد والكراهية والتنمر. الآن برز مرض (النرجسية)، وهو مرض يصفه قاموس (كولينز) باللغة الإنجليزية بـ “اهتمام استثنائي بالذات أو الإعجاب بها، خصوصا المظهر الجسدي للشخص”، إنه الإفراط في حب الذات، والاهتمام بالمظهر الخارجي وراحة الذات، وتضخيم الفرد لأهميته وقدراته، بمعنى أن الشخص النرجسي يعطي نفسه حجمًا كبيرًا مُتوهَّمًا، وهو في الواقع غير حقيقي. مثلاً، إذا نظرنا للشخص النرجسي، ربما نجده بلا أي إنجاز على المستوى الشخصي في حياته، لا على المستوى الأكاديمي ولا على المستوى الاجتماعي والمهني!
وفي موسوعة (Wikipedia)، نجد أن النرجسية تعني “حب النفس أو الأنانية، وهو اضطراب في الشخصية حيث تتميز بالغرور، والتعالي، والتكبر، والشعور بالأهمية ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين”. ويؤكد الخبراء في (Mayo Clinic) أن النرجسية حالة مرضية تؤثر على الصحة العقلية للمريض الذي ينتابه حينها شعور مبالغ فيه بأهميته، ويحتاج إلى الاهتمام والإطراء من الآخرين بشكل زائد ويسعى إلى ذلك. وبما أنها حالة مرضية، إذا فهي تؤثر في المجتمع بشكل أو بآخر، لأن الشخص المريض يؤثر في البشر حوله. أعتقد أن هذه النقطة حقيقية بالفعل في الواقع، لأننا نتأذى ممن حولنا ممن يعانون اضطراب الشخصية.

الأسرة عندما يكون بين أفرادها شخص (نرجسي)، فإنها تعاني أشد المعاناة، لأنه يؤثر بشكل كبير على العلاقات بين أفرادها، ويمكن أن يتسبب هذا الشخص في تكوين علاقات متوترة ومُشكِلة مع الآخرين، حيث يكون النرجسي غالبًا مُتمرِّدًا على وجهات نظر الباقين ولا يحترم لهم رأيًا ولا رغبة، ويكون مصدرًا للخلافات، لذلك يصعب على الأشخاص التعاون معه وفهم توقعاته المُفرطة للتميز والاهتمام به، وبالتالي هذا الأمر يتحول من الأسرة الواحدة إلى المجتمع، فتصبح العلاقات بين أفراده متوترة على الدوام بسبب المشاكل التي يخلقها هذا النرجسي.
من أكبر الإشكالات أن يكون أحد طرفي الشراكة الزوجية مُصابًا بالنرجسية، فهي مسألة في غاية الألم والشعور بالإحباط والفشل، ذلك أن التعامل مع (النرجسي)، إذا كان الزوج أو الزوجة، مسألة في غاية الصعوبة، فالمتأذي من هكذا علاقة يرى أنه فشل في حياته الزوجية كونه شريكًا لمريض، ويعتقد اعتقادًا جازمًا بأن هذا المرض يستحيل علاجه. فالتعامل مع شخص نرجسي هو من أصعب ما قد يمر به الإنسان في حياته، وأن ترتبط معه بعلاقة لا تستطيع الخروج منها بسهولة. هناك الكثير من المُصابين يتصفون بالعدوانية في التعامل مع الآخرين حتى ولو كانوا من الأقارب بالدرجة الأولى، ولا يتحملون وصفهم بالنرجسية، فهم يعتبرونها إساءة بالغة لهم.
البعض يعتقد أن المرأة إذا كانت نرجسية تكون صعبة جدًا في التعامل معها ولا تتحمل أي نقد يُوجَّه لها وتكون شرسة، لأن شعورها بالنقص هذا ما لا تتحمله مهما كان الحال، بينما هناك من يرى أن الرجل النرجسي صعب جدًا في تعامله مع الناس للدرجة التي يمكنه فقدان أعز الناس إليه، فتبقى المشكلة مُركَّبة، فهو يريد الإطراء عليه باستمرار، فكيف إذا تلقى الانتقادات في تصرفاته نتيجة ما يُعانيه من (نرجسية)؟!
أعتقد أن إشاعة المعرفة بشكل عام في المجتمع تُجنِّب الناس الإصابة بمثل هذه الأمراض، ثانيًا، ممارسة القراءة ومتابعة وحضور الفعاليات الاجتماعية والثقافية والفنية، ومُشاركة الناس أفراحها وأتراحها له تأثير كبير في الشخصية، فكلما كان الإنسان البالغ الراشد بعيدًا عن الثقافة والتزود بالمعرفة وبعيدًا عن الأنشطة العامة في المجتمع ولا يُعطي نفسه المجال للاطلاع، يكون جاهلاً وبالتالي يكون عرضة للإصابة بالكثير من الأمراض.

كاتبة بحرينية 

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية