العدد 5940
السبت 18 يناير 2025
عون.. عونًا للبنان
السبت 18 يناير 2025

 في نوفمبر الماضي وفيما كان الاحتلال الإسرائيلي يصب حممه البركانية على قرى ومدن الجنوب والضاحية والبقاع، وفيما كانت آلة الدعاية الثورية لحزب الله بكل قنواتها وصحفها وكتّابها اللبنانيين والعرب تعمل بأقصى طاقات الإبداع مروجة للانتصارات الوهمية، حينها لفت الانتباه إلى دلالة مبادرة قائد الجيش جوزيف عون بتنظيم جنازة وطنية مهيبة في منتهى التنظيم والروعة لشهيد الوطن والجيش والدولة الرائد محمد سامي بركات، وهو ينحدر من نفس الطائفة التي ظل حزب الله طويلًا يحتكر التحدث عنها بكل تلاوينها السياسية والثقافية والدينية الاجتهادية.
 كنت قد شاهدت بتمعن ما لا يقل عن خمسة فيديوهات يوتيوب عن تلك المبادرة، راقبت خلالها هذا القائد العسكري عند زيارته ذوي الشهيد وقد مدت الأُم الثكلى يديها وكأنها تقول له من صوت لا يُسمع في الفيديو أنت أملنا القادم، وبقليل من الفراسة العابرة الحذرة توسمت فيه أن يكون الرئيس القادم، وقد أضحى هو كذلك الأسبوع الماضي رئيسًا منتخبًا في لحظة تاريخية فارقة لا تُنسى من تاريخ هذا البلد المُعذّب، ولم يكن أمام الحزب سوى الاستسلام في الجولة الثانية أمام هذا المخرج، لكي لا يتحمل وزر اتهامه بتعطيل انتخاب الرئيس في هذا الظرف الحساس بالغ الدقة الذي تمر به البلاد، وهو الذي ظل طوال عامين يتحمل بمناوراته السياسية مسؤولية شغور منصب رئاسة الجمهورية وما يترتب على ذلك من تداعيات في منتهى الخطورة على ذلك الشغور دستوريًّا من تعطيل مصالح الدولة والشعب داخليًّا وخارجيًّا، سيما عندما جُرت البلاد إلى حرب ما كان يجب أن تنجر إليها. 

وقد قدمت من دمائها وقوتها لشقيقتها فلسطين ما لم يقدمه أي قطر عربي منذ نكبة 48 دمًا وتهجيرًا عشرات المرات. لقد كان التقاء المبادرتين، العائلية من قِبل ذوي الشهيد بركات التي طلبت أن يُشيع من كنيسة مار جرجس والعسكرية من قِبل قائد الجيش، من أروع المبادرات العابرة للطوائف في تاريخ لبنان منذ استقلاله، وللأسف وبسبب طغيان أخبار العدوان الإسرائيلي غير المسبوق في شراسته على الشعب اللبناني، فإن تلك المبادرة لم يتوقف أحد من المراقبين والمحللين أمام دلالاتها الوطنية بالغة الأهمية.
 بطبيعة الحال لن يرضى غلاة اليمين اللبناني ومناصرو الخطابات “الثورجية” اللبنانية والعربية على اختلاف انتماءاتهم للإسلام السياسي والقومي واليساري بانتخاب عون، سيما وقد حظي بترحيب من الدول الغربية الكبرى والدول الخليجية، لكن من يقرأ متغيرات الأحوال السياسية من حال إلى حال ومن ظرف إلى ظرف، هو وحده الذي يعي أن السياسة هي التي تجبرك في مثل هذه الأحوال والظروف على ممارسة فن الممكن. وفن الممكن هو الذي تتقاطع فيه مصالح إرادات الأطراف المتناقضة. وفي تاريخ السياسة الدولية مواقف لا تحصى في حدوث مثل هذا التقاطع بين الدول المتعادية، بل وبين حتى الأحزاب. والآمال معقودة بقوة بأن يكون الرئيس الجديد جوزيف عونًا لنهوض لبنان الجميل شعبًا ووطنًا من عثرته الطويلة المفروضة عليه، بعون الله وبعون جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، سواء التي منحته الثقة أو التي لم تعرقل انتخابه.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية