يعتبر الاحتكار من أبرز التحديات الاقتصادية التي قد تهدد التوازنات السوقية إذ يؤدي إلى تقييد المنافسة ورفع الأسعار على المستهلكين مما يؤثر على النمو الاقتصادي بشكل عام ويخلق بيئة تفتقر إلى العدالة والشفافية، حيث يعتمد الاقتصاد على توفير خيارات متعددة للمنتجات والخدمات بأسعار منافسة تكون في متناول كافة فئات المجتمع.
ولا شك أن الاحتكار يمس قدرة المستهلك على اختيار أفضل الخيارات ويزيد من العبء المالي على الأفراد من خلال احتكار السوق، إذ تسيطر شركات قليلة على معظم الموارد والأسواق مما يمنحها قدرة على تحديد الأسعار دون مراقبة أو رقابة من الجهات المعنية مما ينعكس سلبا على قدرة الاقتصاد على النمو والتطور.
أدركت الدول الخليجية ومصر في السنوات الأخيرة أهمية مكافحة هذه الظاهرة الاقتصادية لما لها من تأثيرات سلبية على البيئة الاقتصادية بشكل عام، لذا فقد سعت العديد من هذه الدول إلى إصدار تشريعات قانونية تهدف إلى تعزيز التنافسية وتوفير بيئة اقتصادية أكثر عدالة وشفافية حيث أصبحت مكافحة الاحتكار جزءا لا يتجزأ من استراتيجيات التنمية المستدامة التي تتبناها هذه الدول هذه التشريعات تسعى إلى تقليص هيمنة الشركات الكبيرة على السوق وتشجيع دخول الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تسهم بشكل كبير في تعزيز التنافسية داخل الأسواق.
التشريعات الخليجية
السعودية: منذ إصدار نظام المنافسة السعودي في عام 2004 وتعديله في 2019 أصبحت المملكة العربية السعودية نموذجًا بارزًا في مكافحة الاحتكار في منطقة الخليج يحظر هذا النظام بشكل صارم أي ممارسات احتكارية مثل الاتفاقات التواطئية التي تسعى إلى رفع الأسعار أو تقليل الخيارات المتاحة للمستهلكين كما يخول النظام الهيئة العامة للمنافسة صلاحيات واسعة في التحقيق في الممارسات غير القانونية والتعامل معها من خلال فرض غرامات وعقوبات على الشركات المخالفة من خلال هذه الإجراءات تمكنت المملكة من تصحيح مسار بعض الأسواق، خاصة في قطاعات مثل الطاقة والاتصالات حيث نجحت في تقليص هيمنة الشركات الكبرى على هذه القطاعات مما أدى إلى تحسين مستوى الخدمات وخفض الأسعار.
الإمارات: في دولة الإمارات العربية المتحدة، تم إصدار قانون تنظيم المنافسة رقم 4 لسنة 2012 الذي يهدف إلى تنظيم الأسواق وحمايتها من الممارسات الاحتكارية التي تضر بالمنافسة ويمنع هذا القانون أي ممارسة قد تؤدي إلى تقييد حرية المنافسة ويعزّز من دور وزارة الاقتصاد في مراقبة الأسواق وتنظيمها، وقد حققت الإمارات تقدمًا ملحوظًا في تطبيق هذا القانون إذ حققت نتائج ملموسة في تنظيم السوق الإلكتروني الذي أصبح في السنوات الأخيرة من أكثر المجالات التي تواجه تحديات في مكافحة الاحتكار حيث يُعتقد أن بعض المنصات الإلكترونية قد تسيطر على قطاعات معينة مما يحد من القدرة التنافسية في هذه الأسواق.
قطر: تبنّت قطر قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية لعام 2006 وهو من بين القوانين التي تعكس حرص الدولة على توفير بيئة تنافسية تحمي حقوق المستهلكين وتدعم الاقتصاد الوطني وتركز الهيئة العامة للمنافسة في قطر على مراقبة الأسواق الكبرى مثل الغاز والنقل التي غالبا ما تتسم بالاحتكار بسبب سيطرة الشركات الكبرى على هذه القطاعات من خلال مراقبة هذه الأسواق وتنفيذ إجراءات رقابية صارمة ساهم هذا القانون بشكل كبير في تحسين الشفافية في الأسواق المحلية وزيادة فرص التنافس بين الشركات.
البحرين: في البحرين يعد قانون حماية المنافسة رقم 31 لسنة 2018 من القوانين الحديثة التي تحظر الممارسات الاحتكارية وتعزز من دور الشركات الصغيرة والمتوسطة في السوق البحريني هذا القانون يهدف إلى ضمان توازن السوق ومنع الشركات الكبرى من استغلال وضعها المهيمن لتحديد الأسعار أو تقليص الخيارات المتاحة للمستهلكين من خلال تطبيق هذه القوانين تسعى البحرين إلى تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني وتحقيق التوازن بين مختلف فئات الشركات العاملة في الأسواق المحلية.
الكويت: وضعت الكويت قانون حماية المنافسة رقم 10 لسنة 2007 كإطار تنظيمي قوي لمكافحة الاحتكار في أسواقها المحلية يركز القانون على منع تكتلات الشركات التي قد تؤدي إلى احتكار بعض الأسواق الأساسية مثل البناء والطاقة مما يساهم في توفير بيئة تجارية عادلة، إذ من خلال العمل بهذا القانون تسعى الكويت إلى ضمان توفير فرص متكافئة لجميع الشركات سواء الصغيرة أو الكبيرة مع ضمان عدم استغلال الشركات الكبرى للسلطة السوقية في فرض الأسعار على المستهلكين.
عُمان: يعد قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار رقم 67 لسنة 2014 في سلطنة عمان من الأدوات القانونية الهامة التي تهدف إلى ضمان منافسة عادلة في السوق العمانية من خلال هذا القانون تسعى السلطنة إلى تعزيز الشفافية وتشجيع الشركات الصغيرة على النمو والمساهمة في الاقتصاد وقد تمكنت سلطنة عمان من إظهار نجاحات ملحوظة في تطبيق هذا القانون خاصة في القطاعين الخاص والعام مما يساهم في توفير بيئة تنافسية أكثر عدالة وتوازنًا.
مصر
في مصر يعد قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية لعام 2005 من أبرز التشريعات التي تهدف إلى تحقيق التوازن في الأسواق المحلية وحمايتها من الاحتكار، إذ يعمل هذا القانون على منع التكتلات الاقتصادية التي قد تؤدي إلى فرض أسعار مرتفعة على المستهلكين كما يسهم في ضمان الشفافية وتحقيق العدالة في جميع القطاعات الاقتصادية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها هيئة المنافسة المصرية في تطبيق هذا القانون إلا أن هناك تحديات كبيرة مثل ضعف الرقابة في بعض القطاعات الاقتصادية التي تحتاج إلى مزيد من الدعم والتطوير.
التحديات المشتركة
رغم التطور الملحوظ في التشريعات في دول الخليج ومصر لمكافحة الاحتكار، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجهها هذه الدول بشكل مشترك من أبرز هذه التحديات صعوبة مراقبة الأنشطة الاحتكارية في الأسواق الرقمية حيث يشهد هذا القطاع نموًّا سريعًا ويشكّل تحدّيًا للقوانين الحالية في العديد من الدول بالإضافة إلى ذلك، يواجه القضاة والهيئات الرقابية تأخرًا في الإجراءات القانونية التي تتعلق بالتحقيقات في الممارسات الاحتكارية مما يؤثر على سرعة التصدي لهذه الممارسات كما أن تأثير بعض المصالح الاقتصادية والسياسية على تطبيق قوانين المنافسة يمثل أحد المعوقات الرئيسة في مواجهة الاحتكار.
رؤية قانونية
ختامًا، يمكننا القول إن مكافحة الاحتكار في دول الخليج ومصر أصبحت ضرورة ملحة لضمان بيئة اقتصادية صحية تسهم في تحقيق النمو والتطور ولضمان استمرار فعالية هذه التشريعات في مواجهة الاحتكار يجب تعزيز استقلالية الهيئات الرقابية لضمان تنفيذ القوانين بشكل محايد وفعّال كما يجب تطوير القوانين لتشمل الأسواق الرقمية الحديثة التي أصبحت تسيطر على جزء كبير من الاقتصاد العالمي كذلك تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول العربية في مجال مكافحة الاحتكار يعد أمرًا بالغ الأهمية لمكافحة الممارسات الاحتكارية العابرة للحدود.
كلمة أخيرة
لا ريب أن تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار هو السبيل لضمان بيئة اقتصادية صحية ومتوازنة ويعتبر هذا التطبيق الأساس لتحقيق العدالة السوقية التي تحسن من مستوى الحياة الاقتصادية وتساهم في تحسين قدرة المستهلكين على التمتع بحقوقهم في الحصول على منتجات وخدمات بأسعار عادلة إن مكافحة الاحتكار ليست مجرد ضرورة قانونية بل هي التزام أخلاقي نحو المستهلك والمجتمع بأسره وهي سبيل لتحقيق العدالة الاجتماعية في عالم يتغير بسرعة ويعتمد على التشريعات الاقتصادية الرشيدة لتحقيق هذا الهدف.