فيما تبتهج نفوسنا بالعودة الميمونة لمليكنا المعظم بعد الزيارة التاريخية للشقيقة سلطنة عمان، فربما حان الوقت بعد ما شاهدناه وقرأناه عن تفاصيل هذه الزيارة المباركة وما شهدته من لقاءات أخوية بحرينية عمانية.. نقول إنه ربما حان الوقت كي نقرأ هذه الزيارة التاريخية وما فيها من مؤشرات سياسية وخليجية ومشهديات ملكية بكل ما في الكلمة من معنى..
فالزيارة تؤشر اول ما تؤشر على أهميتها البالغة في الظروف الراهنة والمنطقة تمر بمخاضات بعضها عسير وبعضها واعد.. سواء على صعيد العلاقات الخليجية.. أو على صعيد مجريات الانفراجات التي نشهدها في لبنان وسوريا وغزة بل وعلى مستوى التغييرات التي نتوقعها إيجابية في الإدارات الأمريكية والكندية.. هذا بالطبع إضافة إلى شؤننا الداخلية على مستوى بيتنا الخليجي.. وفي كل الأحوال فالزيارة تؤكد على المسار الإيجابي في العلاقات البحرينية العمانية التاريخية والممتدة عبر عقود طويلة حققت خلالها إنجازات مهمة لصالح الشعبين الشقيقين، ولصالح شعوب دول مجلس التعاون الخليجي والشعوب العربية بشكل عام..
ولقاء العاهلين الكبيرين يشكل بحد ذاته أهمية بالغة لما يحققه من تعزيز لمستوى العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وتعزيز لمستوى التنسيق في العمل العربي والوحدة الخليجية خاصة أن البلدين يشكل كل منهما رافعة عروبية هامة وقطبا خليجيا وإقليميا له دوره الكبير في توازنات المنطقة وله حكمته المرجعية في كل مسارات التنسيق والتعاون ومجالات التنمية والاستدامة على مستوى المنطقة..
إن البحرين، التي لطالما مدت يديها لأشقائها الخليجيين ولأخوتها العرب وأكدت أهمية التضامن والعمل المشترك، تجد في هذه الزيارة أهمية بالغة لتجذير العلاقات العربية العربية، ومن أجل وضع تصورات وصياغات تسهم في تحقيق السلام في المنطقة وتطوير العلاقات بين جميع دولها لما فيه خير شعوبها ومستقبل أبنائها..
والواقع أن البلدين الشقيقين متشابهين للغاية وبينهما قواسم مشتركة تاريخية ونهضوية وإنسانية اكثر وأعمق من أن تحصيها المقالات والتحليلات.. فمملكة البحرين وسلطنة عمان كلاهما يشكل واحة استقرار وأمن وسلام في المنطقة.. وكلاهما يشهد تنمية متصاعدة تعززها قيادة حكيمة متفانية في خدمة وطنها وشعبها، وكلاهما تتميزان بالتفاف شعبي ركين حول قيادته مؤمنا بنهجها الحكيم ومؤيدا لمسيرة حكومتها الرشيدة.. والبحرين وعمان كلاهما لا يمتلك ثروات طبيعية ولكنهما استطاعا الرهان على الانسان المؤمن المكافح المسلح بعلمه وثقافته ووطنيته وتسامحه.. فالإنسان البحريني، كما هو الإنسان العماني، عماد ثروة بلاده، ومصدر ثرائها، ورافعة تقدمها، وأداة تنميتها، وعقل استدامتها، وترس حراكها ونهضتها.. وكلا العاهلين الكريمين في البلدين الشقيقين يشتركان في إيمانهما بإنسان بلديهما ويمنحانه الرعاية والدعم والتمكين بما يسهم في بناء حاضر زاهر والتحضير لمستقبل واعد.. والعاهلان الكريمان جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد؛ يجمع بينهما وفرة من الاحترام الدولي الكبير، والتقدير العالمي العميق، والمكانة القيادية السامقة بين ملوك العالم ورؤساء الدول وقادة الشعوب.. وكلا العاهلين الكريمين يفصحان كل يوم وفي كل مناسبة عن إرادة بناء وقيادة النهضة في بلديهما، وكلاهما متصالح مع شعبه، يمحضه الرعاية والحكمة والسياسات الناجحة، وكلاهما يمنحه شعبه محبة عظيمة والتفافا لا يفتر حول رايته وإيمانا لا يتراجع بحكمة قيادته وسداد رؤيتها وتاريخية رسالتها وأصالة محتدها وسمو مكانتها وعراقة إرثها الملكي والسلطاني..
والبحرين وعمان كلاهما شهدت خلال الأعـوام المـاضية انطلاقة رؤية اقتصادية وإدارية ونهضوية شاملة.. في البحرين 2030، وفي عُمان 2040.. وكما استطاعت البحرين أن تجعل من 2030 رؤيةِ للبحرينيين جميعا، فقد استطاعت سلطنة عمان أن تكرس رؤية 2040 باعتبارها رؤية العُمانيين جميعا.. فكانت الرؤيتان طريق الشعبين الشقيقين الواضح باتجاه المستقبل ونحو التنمية والاستدامة.. وفي كلا البلدين الشقيقين حققت هاتان الرؤيتان العديدِ من المـؤشّراتِ الوطنية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية وفي مستويات الاستدامة حسب المقاييس الدولية والعالمية.. وكلا البلدين يعمل على مواصلة التقدم وتحقيق المزيد من منجزات ومؤشرات النهضة والتنمية بحكمة وصبر وتصميم، وبإيمان مشترك بين القيادة والشعب على استمرارية التنمية واستدامة النهضة.. أما في أجواء الزيارة ومؤشراتها ونتائجها فإن البيان الختامي المشترك للزيارة، اشتمل على ما هو أكثر من الحميمية الأخوية والاحترام والتقدير المتبادل الى التأكيد على ضرورة العمل لاستكشاف المزيد من الفرص وتطويرها، وتشجيع القطاعين العام والخاص لتنويع مجالات الشراكة الاقتصادية والاستثمارية، بما يلبي طموحات البلدين والشعبين الشقيقين. وكمؤشر عملي للمعنيين مستقبلا بتعزيز مضامين هذه الشراكة بين البلدين والشعبين الشقيقين، فقد جاء الاتفاق على إنشاء الشركة العُمانية – البحرينية للاستثمار، ليشكل نموذجا عمليا وطريقا يسترشد به القطاعين الخاصين مستقبلا لتأسيس المزيد من الشراكات الثنائية، إضافة إلى أن إنشاء هذه الشركة سوف يشكل إضافة نوعية ومنهجية لضمان تعزيز العلاقات التجارية الاقتصادية بين البلدين، وهو ما يشير أيضا إلى دور اللجنة العُمانية - البحرينية المشتركة ومساهمتها في تعزيز أشكال ومستويات التعاون الثنائي وتنفيذ المشاريع المشتركة التي تخدم شعبي البلدين ومصالحهما المشتركة. كذلك، فإن توقيع 25 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامجا تنمويا في مجالات الصحة والتعليم والاعلام والثقافة والطاقة المتجددة والصناعة والتجارة خلال هذه الزيارة يشكل مؤشراً على الطريق الأمثل الذي اختارته المملكتان الشقيقتان لتطوير وتعزيز الشراكة الثنائية بينهما والدفع بها إلى مجالات أوسع وآفاق أرحب، ومسارات اكثر احترافية وشمولية في كل ما من شأنه تحقيق الرغبات السامية والرؤى السديدة لصاحبي الجلالة العاهلين المعظمين والاستجابة لمصالح البلدين والشعبين الشقيقين..
* كاتب بحريني