العدد 5939
الجمعة 17 يناير 2025
الحاجة والظروف والعمالة البنغالية!
الجمعة 17 يناير 2025

لقد وفرت لنا الثورة النفطية سبل الرفاهية، سواء اتفقنا أو اختلفنا من حيث درجة تلك الرفاهية، وفي الوقت ذاته، تحور الطابع الاجتماعي، فغدا المواطن البحريني والخليجي عمومًا، وبدرجة كبيرة، يأنف المهن المتدنية ويشرئب عنقه نحو المناصب والمسميات والأشغال المكتبية، وقد ساهم التعليم في بلورة هذا الفكر، لاسيما وأن المجتمع يضع قيودًا وضوابط على الرجل قد تتجلى عند إقدامه على الارتباط، فأغلب الفتيات وأهاليهن يرغبون بالطبيب والمدرس والمهندس وما شابه، في حين يُعاب على أصحاب بعض المهن (ولا أُحبذ ضرب مثال بهذه المهنة أو تلك)، بيد أن أغلب الناس، كما نعلم، هذا ديدنهم وفكرهم.

ولأننا نحتاج إلى تلك المهن في مقابل عزوف شريحة واسعة عنها استبدلنا سواعد أبنائنا، وكانت حصة الأسد من نصيب الجالية البنغالية، فهم يشقون عباب البحر وتفيض مخالفاتهم، وهم من يرفعون قواعد البناء ويعمرون مساكننا، حتى أصبحوا مقاولين لديهم رخص للعمل، فالبناء من المهن المخزية في ثقافتنا ما بعد النفط، عدا مشقتها وانسحاق مدخولها للعامل، وهم الباعة المتحكمون في سوق الخضار، وهم أرباب الكراجات ومن يستبدلون قطعة بأخرى دون علمنا، وهم الكهربائيون والصباغون، وكل فجوة وظيفية يتسابقون لها ويملؤون فراغها، ولم أذكر الحلاقين وباعة الملابس و... (الحبل على الجرار)، حتى سئم بعضهم من التشابه فاستخرج شهادة علمية زاول بها مهنة طبيب أسنان بعد ما كان سائقًا (دريول)، ولا يعتقد أحد أنني أتحدث ضاحكًا أو مبتسمًا، لأنني مع اندلاق الحبر من قلمي ينزف دمي ودمعي على ما نعيش من واقع. ولعل بعضكم يلاحظ أنه في الآونة الأخيرة حدثت انفراجة طفيفة، إذ أصبح أبناء البلاد يعودون إلى تلك المهن على استحياء، فبعضهم ساقته الظروف للاشتغال ببيع الخضار، وآخرون إلى البحر والكراجات والمطاعم وغيرها. هؤلاء أقبل جباههم، فليس في العمل من حرج ولا عار. 

فعندما اضطرتني الحياة للكسب، نسيت شهادتي العليا وما دُوّن فيها من امتياز ولجأت للعمل محاسبًا (كاشير)، وليس كما قال أحدهم عندما ابتسم له الحظ “هذا مو مستواي”، بل عملت وحملت شدات البيض وصناديق الدهن والمياه المعدنية وأكياس الرز إلى البيوت، وقبلها عندما كنت على مقاعد الدراسة عملت موزعًا لإحدى المجلات الدعائية مقابل بضع دنانير أتقاضاها نهاية اليوم، ومازلت أحتفظ بالزي الذي ارتديته جنبًا إلى جنب مع شهاداتي الجامعية وغيرها، فخرًا واعتزازًا.

كان آباؤنا وأجدادنا هم البناؤون والصيادون والكهربائيون وغيرها، ولكن عندما تعالينا على الرزق تعالى علينا، وبناء وطن قوي يحتاج اكتفاء ذاتيا في الأيدي العاملة، فأنت عندما تزور بلدانًا عربية كالأردن أو المغرب مثلا، ترى أبناء البلاد هم الأيدي العاملة في جميع القطاعات بدون تخصيص، كلها، من القاعدة إلى القمة.

وعودًا على بدء، إن ألجأتنا الحاجة للعمالة الآسيوية، فإنني أوجه نداءً بالاستغناء عن العمالة البنغالية وإحلال العمالة التايلندية أو النيبالية أو الفلبينية محلها، فهي أكثر انضباطًا، فكم جرّت علينا تلك الجالية ومازالت ويلات عصرت قلوبنا، ليس أولها نشر عنق مواطن، ولا آخرها غرق مواطن آخر، وبينهما قتل إمام مسجد بن شدة بالمحرق والكثير الكثير، حتى صرحت وزارة الداخلية بأن الجالية البنغالية تتصدر قائمة الجرائم الخطرة في البلاد.

*كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية