العدد 5938
الخميس 16 يناير 2025
القيمة المضافة وريادة الأعمال
الخميس 16 يناير 2025

القيمة المضافة مصطلح اقتصادي شائع يهم الجميع، دولًا ومنظمات وأفرادًا، وهو مهم جدًّا، ويرتبط بالعمل والإنتاج، فأينما وُجد العمل والجهد وُجدت القيمة المضافة، وهي ببساطة الفرق بين التكلفة النهائية للمنتج وسعره الأصلي. غالبية السلع والمنتجات تتطور باستمرار، وتوجد دائمًا منتجات جديدة وتطوير لأخرى قديمة، والمنتجات الجديدة غالبًا ما تكون بسعر أعلى من القديمة، مع أنه قد تكون تكلفتها أقل.. سوق الهاتف الجوال سوق سريع التطور سنويًّا، حيث توجد مئات الأنواع الجديدة التي تدخل الأسواق، ومع كل جيل جديد نلاحظ أن المنتج أقل وزنًا وأصغر حجمًا، وهذا يعني دخول مواد أولية أقل. والمنطق يقول إذا كانت المواد الأولية أقل فيجب أن تكون التكلفة أقل! لكن العكس هو الذي يحدث، فكلما انخفض حجم المنتج ووزنه ارتفع السعر، وهذا الأمر تفسره القيمة المضافة؛ كيف؟

ولكي نجيب على السؤال أعلاه، فإن القيمة المضافة مصطلح مهم جدًّا، وهو يرتبط بالعمل والإنتاج، فأينما وُجد العمل وُجدت القيمة المضافة، وكلما كان العمل منظمًا أكثر وفيه براعة وخبرة أكثر، تلقائيًّا ترتفع معه القيمة المضافة، ما يعني أن الجهد الإنساني هو المسيطر الحقيقي على القيمة المضافة، وببساطة القيمة المضافة هي الفرق بين التكلفة النهائية للمنتج وسعره.

نعطي مثالًا: لو كان سعر هاتف جوال من نوع معين في السوق 500 دينار، وتكلفة المواد الأولية له 50 دينارًا، تكون القيمة المضافة نتيجة طرح تكلفة المواد الأولية من السعر، وهذا يعني 450 دينارًا هو هامش الربح. ونلاحظ أن القيمة المضافة هنا مرتفعة جدًّا في هذا المنتج. 

مثال آخر: لو شهدت تسعيرة طن الألومنيوم ارتفاعًا ملحوظًا، ليصل الطن مثالًا إلى 1630 دينارًا، بعد أن كان في الفترة الماضية بسعر 1500 دينار للطن الواحد، وإذا تم تصنيعه وتحويله إلى صفائح سيكون السعر المحتمل 3260 دينارًا للطن، أما إذا تم استخدامه في صناعة السيارات فإن الطن الواحد سيرتفع إلى عشرة أضعاف سعره الأصلي. نلاحظ أن طن الألومنيوم هو نفسه لم يتغير، لكن نوع العمل الذي دخل فيه قد تغير (عمل نوعي واحترافي)، لذا ترتفع قيمته بنوع المنتج الذي استخدم فيه. نفس الشيء لو أُدخل طن الألومنيوم نفسه في صناعة الطائرات الحربية، سيزيد سعره بشكل مضطرد بسبب حساسية المنتج وأهميته ودقة تصنيعه. في نفس الوقت سيرتفع سعره لو استخدم في الطائرة الحربية (F16)، وسوف يرتفع أضعافًا مضاعفة لو استخدم في الطائرة الحربية (F35)، والسبب هنا هو الحداثة والخبرة العالية والتكنولوجيا والتقنيات الحديثة المستخدمة في إنتاج هذه الطائرة المقاتلة.

سابقًا كان العمل والقيمة المضافة ناتجة من خلال العمل العضلي، لكن اليوم القيمة المضافة ناتجة من خلال عمل ذهني، والذي يفوق بدرجة كبيرة جدًّا القيمة المضافة الناتجة عن العمل العضلي، لأن ساعة واحدة من العمل في معامل مختبرات التكنولوجيا تعادل العمل أيامًا في عمل تقليدي. لقد أصبحت القيمة المضافة معيارًا مهمًّا لتقدم الدول، حيث إن الدول التي لديها قيمة مضافة مرتفعة تكون دولًا غنية حتى لو كانت هذه الدول فقيرة من الموارد الطبيعية، لأن الموارد الطبيعية اليوم لم تعد معيارًا للدول الغنية كمقياس! نلاحظ أن هناك دولًا لديها موارد طبيعية مثل النفط والغاز والمعادن، لكن اقتصادها غير متطور. في المقابل هناك دول شبه فقيرة من الموارد الطبيعية، لكنها من كبرى دول العالم اقتصاديًّا مثل اليابان وسويسرا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وغيرها، وهذا بسبب الإنتاج النوعي والتقنيات الحديثة بالإضافة إلى الصناعات المتقدمة لهذه الدول آنفة الذكر. فهي تستورد مواد أولية بأسعار منخفضة ثم تعاود تصديرها على هيئة منتجات نهائية وبأسعار تفوق سعر الشراء الأول بمئات المرات.

بعض الدول النامية لديها موارد طبيعية كبيرة، لكنها لا تمتلك التكنولوجيا أو الخبرات البشرية التي تقوم بعملية التصنيع، لذا فهي تقوم بتصدير هذه المواد كما هي، لذلك القيمة المضافة عند هذه الدول منخفضة، وبطبيعة الحال ينعكس سلبًا على اقتصادها، ما يؤثر على الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، وبالتالي سيكون دخلها منخفضًا بالإضافة إلى ارتفاع مستوى البطالة لديها.

القيمة المضافة هي بالدرجة الأولى نتاج فكري وذهني، لذلك أصبح رأس المال البشري (Human Capital) هو الأهم في هذا الوقت، وأصبحت الخبرة البشرية (التراكم المعرفي والفكري) اليوم أهم من النفط والغاز والمعادن. لهذا السبب نلاحظ تقدم هذه الدول التي تركز على استقطاب الكفاءات وتقوم على تطوير نظام التعليم، بالإضافة إلى تقديم برامج تدريب متقدمة، وهذا كله يعزّز الناتج المحلي الإجمالي أكثر بكثير من المواد الأولية لهذه البلدان كما أسلفنا.

توضيح: “الميزان التجاري والمعروف أيضًا باسم الصادرات الصافية، هو الفرق بين الصادرات والواردات للدولة خلال فترة زمنية معينة”، وهو بهذه الصيغة: الناتج المحلي الإجمالي الاسمي Nominal GDP Formula= C+I+G+(X-M)، وهو يعني التالي: (C- personal consumption) الاستهلاك الشخصي، (I- Investment) الاستثمار، (G- Government) الحكومة، (X- exports) الصادرات، (M- imports) الواردات.

وعطفًا على ما تقدّم، تغيّر مفهوم الاستعمار من استغلال الموارد الطبيعية للدول النامية إلى احتكار العلم والمعرفة والتكنولوجيا، لذا من يمتلك العلم والمعرفة والتكنولوجيا يمتلك القيمة المضافة، ومن يمتلك القيمة المضافة يسيطر على الاقتصاد، ومن يسيطر على الاقتصاد يسيطر أو يتحكم في السياسة.

هناك مقولة لألبرت آينشتاين: “لا أعرف ما هي الأسلحة التي سوف تستخدم في الحرب العالمية الثالثة، لكن الحرب العالمية الرابعة ستكون بالعصي والحجارة”، وهذا يعني أن الحرب العالمية الثالثة ستدمر الحضارة البشرية وترجعها إلى العصر الحجري، وذلك بسبب هذا التطور الهائل في هذه الألفية في مجال التكنولوجيا بشقيه (الذكاء الاصطناعي والفضاء والأمن السيبراني)، وأيضًا دور منصات التواصل الاجتماعي لا يقل أهمية في تكوين العقل الجمعي (الصورة الذهنية) لما ستؤول إليه البشرية في ذلك الوقت.

وهنا نحث رواد الأعمال على تصميم وتنفيذ حلول تنموية مبتكرة ومؤثرة ومستدامة تساهم في تحقيق قيمة مضافة وتساهم في النمو الفكري والوعي الاجتماعي الذي يعزّز اقتصادًا متطورًا ومتنوعًا من خلال العمل في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وغيرها من علوم ذات أهمية تواكب متطلبات هذا العصر وتساهم في اكتشاف أنشطة اقتصادية وصناعية جديدة تُسهم في التأثير الإيجابي على البيئة والتوازن الاجتماعي (المشاريع الخضراء)، بمعنى آخر تلبية احتياجات الحاضر دون الإضرار بمقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية احتياجاتهم.

هذا وتنظر المجتمعات المتقدمة إلى رواد الأعمال من الذكور والإناث كمثال قيادي يستحق الاقتداء به، وذلك بسبب الأعمال والإنجازات التي يقومون بها من خلال تدشين مشاريع ابتكارية تحمل في طياتها أعمالًا ذات مشاريع فريدة تكاد تكون صفرية المخلفات، والتي لا تضر البيئة والمجتمع، وتقوم بدورها في إتاحة فرص استثمارية مستدامة واعدة، لأنه أينما وُجد رواد الأعمال ستجد قيمة مضافة وعملًا أكثر منهجية وبراعة وخبرة. كلما كان هذا العمل بقيمة مضافة أعلى (أي أن الجهد البشري هو المتحكم الحقيقي في القيمة المضافة) لتنمية مستدامة تعود بالنفع على الوطن والمجتمع ككل.

وهنا لا ننسى أهمية دور القطاع العام (الحكومة) والخاص (المنظمات الأهلية) في تقديم مبادرات أكثر مرونة وتذليل الصعاب لهؤلاء الرواد ليؤدوا دورهم بإتقان وبدون ضغوط إضافية تؤدي إلى تشتيت أفكارهم الخلاقة.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية