على هامش زياراتي السنوية لمعرض القاهرة للكتاب، زرت متحف أم كلثوم مرتين، مرة بصحبة ابني هيثم ومرة ثانية بصحبة ابنتي سلوى. المتحف يقع في أقصى الناحية الجنوبية من جزيرة الروضة وخصص له مبنى ملحق بقصر "المانسترلي" و كان في الأصل مخصصاً للخدمات، تقدر مساحته بنحو 250 متراً من إجمالي مساحة القصر المقدرة بألف متر مربع ، واسم القصر يعود لصاحبه حسن باشا المانسترلي الذي بناه عام 1850 في عهد الخديوي عباس حلمي . والمتحف أُفتتح رسمياً أواخر 2001.
لا نذيع سراً، و من خلال متابعتي لما يُنشر في الصحافة المصرية أن آمال النخبة المثقفة في مصر كانت ترنو إلى متحف أكبر يليق بمكانة فنانة بلدهم العظيمة "كوكب الشرق" فقد كانوا يتطلعون بقوة إلى أن يكون هذا المكان في فيلتها بالزمالك التي عاشت فيها جُل عمرها بعد انتقالها من قريتها "طماي الزهايرة" إلى القاهرة واتخاذها القرار الأخير بالاستقرار فيها، سيما وأن تلك الفيلة شهدت أحداثاً مهمة في مسيرتها الفنية العظيمة، لكن يبدو ما حدث لفيلة عميد الأدب العربي طه حسين حيث قُلصت مساحتها من قِبل الورثة، حدث أيضاً لفيلتها التي أشتراها أحد المستثمرين.
يطالعك عند أول مدخل المتحف على شمالك صورة كبيرة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر وعلى يمينه محمد الموجي أحد عمالقة ملحني "الست" وعلى شماله الرئيس أنور السادات فأُم كلثوم، ولأن هذه الصورة النادرة فريدة من نوعها فقد بهرتني وطلبت من أحد الإخوة من موظفي المتحف بالتقاط صورة لي من أمامها. ومن أهم المقتنيات والصور التي عاينتها مع ابنتي وكتبت عنها سريعاً: الفساتين التي ارتدتها في كل حفلة من حفلات أغانيها على حدة، مجموعة من الصور النادرة للقاءاتها مع الملوك والرؤساء العرب خلال حياتها، صور متعددة تحكي محطات هامة من حياتها بدءاً من مسقط رأسها إلى هجرتها للقاهرة، وتشمل صورة لوالدها الشيخ إبراهيم البلتاجي، مصحفها الخاص المرصع بالصدف،ركن خاص بكتب شعراء أغانيها وما قرأته من كتب، و في ركن آخر نتعرف على جوازات سفرها الشخصية والدبلوماسية وقلمها الخاص وكان خطها جميلاً ، آلات العود التي كانت تحتفظ بها في بيتها، نظاراتها الداكنة، مناديلها الشهيرة التي تحملها أثناء حفلاتها الغنائية، قلادة النيل الجمهورية التقليدية التي لا تُمنح عادة إلا لعظام الشخصيات، خطابات التقدير لفنها ولشخصها، حقائبها وأحذيتها، تسجيلات أغانيها تبعاً لتطور أجهزة التسجيل بدءاً من الأسطوانات والجرامفون مروراً بالراديو فأشرطة الكاسيت، النياشين والأوسمة التي نالتها خلال حقبة ثورة يوليو وزعيمها عبد الناصر.
وأخيراً فقد تسنى لي في هذه الزيارة الثانية-برفقة ابنتي- أن نشاهد في إحدى القاعات فيلماً وثائقياً ممتعاً بلقطاته النادرة لأبرز المحطات الجميلة من سيرة حياة ثومة من طماي الزهايرة إلى القاهرة.