العدد 5926
السبت 04 يناير 2025
لماذا انتصر “جنرال اليأس”؟
السبت 04 يناير 2025

 الدكتور أسعد عبدالرحمن والدكتور أسعد غانم باحثان فلسطينيان كبيران، لا يختلف اثنان على وطنيتهما، وحضورهما طاغٍ في الصحافة والدوريات الفلسطينية والعربية، الأول مقيم في الأردن ويتقلد عددًا من المناصب الأكاديمية وفي المؤسسات العلمية، والثاني أستاذ في العلوم السياسية في جامعة حيفا، وله مؤلفات رصينة عن القضايا الفلسطينية، وآخرها “غزة.. مدخل إلى الحرب الممتدة” الذي يحلل فيه مجريات حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية على غزة منذ بدايات أكتوبر 2023، لكنهما في تحليلهما لنتائج “طوفان الأقصى” بدا كل منهما - وبشكل مستقل - على طرفي نقيض. ففي حين ينتقد الأستاذ عبدالرحمن في مقاله الأخير المنشور في عدد من الصحافة العربية ما يسميه “جنرال اليأس” نقلًا عن مقولة لوزير الحرب الإسرائيلي الأسبق موشيه ديان: “ما من جنرال يهزم الفلسطينيين سوى جنرال اليأس” مستنكرًا تفشيه منذ وقعة “البيجر” في صفوف مقاتلي حزب الله في السابع من سبتمبر الماضي، فاحتلال المواقع السورية في جبل الشيخ، فإن الأستاذ غانم في مقال شهير له نُشر في 30 يونيو الماضي في “الملتقى الفلسطيني” تحت عنوان “الحرب وتداعياتها.. ما يحصل في إسرائيل بعيدًا عن الأوهام” بدا أقرب للواقعية والحقائق في تقييم قوة إسرائيل ومستقبل وجودها، ومستشرفًا نتائج هذه الحرب الوحشية الإبادية من مقال مواطنه عبدالرحمن، فكأنما هو يجيب مسبقًا ضمنيًّا على مقال عبدالرحمن الأخير.

ركّز غانم في مقاله بوجه خاص على المقولات التي تفشت في أوساط الفلسطينيين خلال الحرب الجارية بأن إسرائيل في طريقها للزوال القريب، أو بعد سنوات قليلة على حد تعبيره. (وأتذكر شخصيًّا أن واحدًا من غلاة المهرجين الإعلاميين الفلسطينيين ذهب به الشطط بأن حدد ميعاد سقوطها بنهاية العام!).

ويستند تفاؤلهم المفرط إلى الأزمات الداخلية التي تعصف بإسرائيل وتردي سمعتها الدولية، وفشلها في استعادة المخطوفين، لكن غانم يومئ إلى أن كل ذلك من قبيل الأوهام وليست عوامل كافية لزوال إسرائيل القريب.

وإذ يخلص هذ الكاتب إلى عدد من العوامل التي قد تزيد من لحمة الإسرائيليين؛ جراء الخوف من المستقبل، يجد حله اليمين المتطرف في الهروب إلى الأمام بالإيغال في اللحم الفلسطيني، وتعميق السيطرة اليهودية الفوقية في عموم فلسطين، فإنه ينحو باللائمة في المقابل على قيادات فصائل المقاومة، لفشلها في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بما يُمكّنها من “بناء قيادة جدية تستحق أن تقود النضال الوطني الفلسطيني نحو أفق الخروج من المأزق، والذي يتضمن بالضرورة رؤية وطنية تقدمية وإنسانية لمستقبل الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”.

والحال فإن الباحث أسعد عبدالرحمن لم يتطرق لأسباب هيمنة “جنرال اليأس” التي أطبقت على نفوس الفلسطينيين واللبنانيين والعرب، والتي يمكننا أن نختصرها في إشاعة منسوب التفاؤل المفرط لديهم بالانتصار المؤزر ورفع سقفه إلى عنان السماء.

ومن شعارات هذا التفاؤل تصوير الرد على الضربات الماحقة بأنها ضربات موجعة لإسرائيل، وسبق ذلك تصوير هذه الأخيرة بأنها “أوهن من بيت العنكبوت”، فكانت النتيجة الصدمة بالهزيمة المدوية وشيوع القنوط في نفوس الفلسطينيين واللبنانيين، وهذا ما يذكرنا بالضبط بما فعله الإعلام الناصري خلال حرب الأيام الستة عام 1967. ولئن صارح الرئيس المصري جمال عبدالناصر شعبه بالهزيمة قبيل نهاية الحرب، فإن المحور الإيراني “المقاوم” مازال يناكف بأن ما حصل هو “انتصار” وكأنه بذلك أمين لتقاليد مدرسة إعلامية عربية عريقة في تحويل الهزائم العسكرية إلى انتصارات عظيمة على الساحة الإعلامية، والتي كان فارسها الأول بلا منازع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

*كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية