العدد 5912
السبت 21 ديسمبر 2024
رطانة دخيلة على حزبكم
السبت 21 ديسمبر 2024

لم يمضِ سوى أقل من عشرة أيام على الكلمة التي ألقاها زعيم حزب الله الشيخ نعيم قاسم حتى تبعها بكلمة جديدة ألقاها مؤخرا، وهذه المرة بمناسبة سقوط نظام بشار الأسد، حليفه وطهران، وما نتج عنه هذا الحدث الخطير من زعزعة جديدة إضافية لمعنويات كوادر الحزب وأنصاره، لا بل انقلاب جمهرة واسعة من الإعلاميين العرب المعروفين بموالاتهم لحزب الله وطهران بين عشية وضحاها على السردية التي ظل الحليفان يروجانها لتبرير دخولهما سوريا لحمايتها عسكريا، ولحماية مسيحيي لبنان من “داعش” كما ردد مرارا زعيم الحزب الراحل في خطاباته.

وهكذا وجد قاسم نفسه مدفوعا لإلقاء كلمته الطارئة الأخيرة لترميم ما يمكن ترميمه من معنويات مقاتلي الحزب التي أخذت تتهاوى تباعا لفرار “الأسد” من سوريا، رغم ما تكبده الحزب من أرواح هائلة في صفوف مقاتليه. وقد حاول في كلمته تعديل ما يمكن تعديله على سردية مبررات دعم الحزب للنظام السابق، ولا سيما في ضوء طوفان ما كشفت عنه وسائل الإعلام العالمية من فضائح “القبضة الحديدية الدموية”، وما خلفته من مآس يندى لها جبين البشرية لعشرات الآلاف من العائلات السورية.

كما جاءت تصريحات مسؤولين في النظام الإيراني لتفسير موقفه المتفرج غداة سقوط حليفه السوري لتزيد الطين بلة في ضعضعة معنويات أعضاء الحزب وأنصاره وانفضاض مجاميع جديدة عنه، ذلك أن أولئك المسؤولين الإيرانيين، أظهروا نظامهم بمظهر من كان ناصحا للأسد عشية سقوطه، لكنه لم يكن يعبأ بنصائحهم! (.

ومع ذلك، فإن قاسما لم يجد تناقضا في الاستشهاد بمقولة للمرشد الإيراني الراحل الخميني لتعزيز مفهومه للانتصار بموازاة مغازلته جيش الدولة اللبنانية بما قدمه من شهداء جراء مغامرة حزبه الأخيرة، والذي طالما أدارت قيادته ظهرها للجيش والدولة بانفرادها بقرارات الحرب والسلم، وكأنه لا وجود لسيادة الدولة على الأرض اللبنانية.

وإذا ما نحينا جانبا تفسير قاسم لمفهوم “انتصار” الحزب في معركة “إسناد غزة” أو “وحدة الساحات”، وتبريراته لقبول اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل بلا شروط، بإضافته بهارات جديدة على “الطبخة التبريرية” لعلها تكون قابلة للمضغ، فإنه تورط هذه المرة ليجرّب أن يرطن بلغة لا تمت بصلة للغة آيديولوجية حزبه كواحد من أحزاب “الإسلام السياسي”، فعلاوة على وعده بالمساهمة في إعادة بناء الدولة ومساعدتها في إعادة الإعمار بالتعاون مع الدول والمنظمات، فإنه أكد استعداد حزبه “المشاركة من خلال الدولة ببرنامج إصلاحي اقتصادي مبني على المواطنة والمساواة تحت سقف القانون”.

وإذ كرّر نعيم هذه الرطانة فيما يتعلق بآمال حزبه في مستقبل العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري، وكذا مستقبل العلاقة بين حكومتيهما، وإذ أبدى أيضا بأن تكون “المشاركة في الحكم الجديد في سوريا على قاعدة المواطن السوري وليس على قاعدة فئة دون أخرى”، فإنه يتناسى أن كل تلك الرطانة السياسية الجديدة تفتقر إلى المصداقية، كونها دخيلة على هوية ولغة الحزب المبني على عقيدة دينية فئوية محكمة الإغلاق.

 

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية