ثمة مدن وقرى وجزر وبلدان عديدة في العالم تظل مجهولة غير معروفه لدى كثرة من المثقفين والمتعلمين، اللهم إلا النخب المتخصصة أو المتبحرة في الجغرافية السياسية، أو علم الجغرافيا عامةً. لكن هذه المدن والقرى والبلدات تبرز فجأةً من عالم المجهول إلى عالم المعلوم في وسائل الإعلام العالمية حينما ترتبط أسماؤها بكوارث طبيعية أو سياسية أو الإثنتين معاً.وعالمنا العربي ليس استثناءً من ذلك منذ فجر تاريخ الحروب على أراضيه. جزيرة "مايوت" الفرنسية ذات الأغلبية الإسلامية الساحقة والعائمة في المحيط الهندي، هي واحدة من الجزر التابعة التابعة لأرخبيل جزر القمر، برز اسمها مؤخراً في غمرة انشغال العالم بمتابعة الأحداث والتطورات المتلاحقة في غزة وسوريا الجارية،وارتبط هذا الظهور بالكارثة المروعة التي ألمت بسكانها(ينوف على 300 ألف نسمة) إثر إعصار "شيدو" المدمر الذي اجتاحها بسرعة خاطفة مخلفاً آلاف القتلى والجرحى والمشردين بلا مأوى.لكن هذه الكارثة تعري من جانب آخر بامتياز الديمقراطية الفرنسية، وتكشف الوجه القبيح للطبقة الحاكمة لفرنسا، ذلك بأن هذه الجزيرة هي من مخلفات الاستعمار الفرنسي، ومازالت خاضعة لسيطرته الإلحاقية بفرنسا الأُم.ولأن سكانها هم مواطنون من الدرجة الثانية؛ باعتبار سوادهم الأعظم من المسلمين ذوي البشرة السوداء، فقد تركتهم فرنسا الدولة المتقدمة صناعياً يواجهون مصيرهم دون أن تبلغهم بأي استعدادات مسبقة على الأقل لمواجهة الكارثة،رغم أنها تملك أجهزة ارصاد جوية متطورة، وقد فاقم من كارثتهم أن غالبيتهم العظمى هم من الفقراء الذين يسكنون مساكن متهالكة، ويفتقرون لأبسط مستلزمات البنية التحتية والخدمات الأساسية، وخصوصاً فيما يتعلق بتأمين المراكز الصحية والمستشفيات.وكشفت الكارثة بأن عدة مناطق ظلت معزولة فكأنما هذه الجزيرة واحدة من جزر العالم الثالث الفقيرة لا تمت بصلة لفرنسا.وصفها برنامج حواري بُث قبل يومين في القناة الفرنسية العربية بأنها "الأفقر بصورة غير قانونية". وظلت مناطق معزولة عن فرق الإنقاذ لدمار الطرق المؤدية إليها جراء الإعصار ذاته، ولم تكن المستشفيات مجهزة لحالات الطوارئ، ناهيك عن انعدام وفرة المياه للناجين، وتوقعات بانتشار أوبئة بين النازحين.
وماذا ينفع إعلان الرئيس ماكرون الحداد الوطني لسكان مايوت؟ هو الذي لم يجد داعياً للتوجه على الفور إلى الجزيرة المنكوبة للوقوف على احتياجاتها العاجلة الطارئة، ما دام سكانها لا يرقون إلى الجنس البشري السامي الأشقر، لا بل من سوء طالعهم بأن معظمهم من المسلمين! ومن سخريات القدر أن اسم الجزيرة بالفرنسية " مايوت" إنما هو مشتق -كما يُقال- من المفردة العربية" الموت"ً.ولا عزاء إذن لموتى مايوت الفقراء من ضحايا الإعصار الذين أراد لهم المستعمِر الفرنسي هذا المصير المتجدد حتى أجل غير معلوم!