العدد 5902
الأربعاء 11 ديسمبر 2024
الشعر والرواية وأُمسية شعرية
الأربعاء 11 ديسمبر 2024

كان عميد الروية السورية الواقعية الكبير حنا مينه  ممن تنبأوا في أواخر الثمانينيات، بأن يكون القرن القادم، أي قرننا الجاري، عصر الرواية،تأليفاً وإقبالاً من القراء، وبالفعل صحت نبوءته، فأنت اليوم لو يممت وجهك نحو أي جناح في المكتبات التجارية أو في معارض الكتاب لوجدت زاوية  الروايات -عربية ومترجمة-  تشغل أرففاً  طويلة.أحد الأصدقاء الناشرين وصاحب مكتبة قال لي بأنه غير مستعد لشراء دواوين لشعراء أو كتباً شعرية لأنه لا يوجد ثمة إقبالاً عليها من الزبائن القراء.

ودون التقليل من شأن الرواية وجمالها الأخاذ وسطوتها في عصرنا،أرى وفق تقديري الاجتهادي المتواضع، أن عصراً يتخلل أدبه هجرة الشعر، وغلبة الأنتاج الروائي إنما يُعبّر عن خلل في توازن الأجناس  الأدبية،بمل ما تعبّر  عنه من أبعاد حضارية وثقافية لأي أُمة من الأُمم أو شعب من الشعوب. ولنأخذ حتمية تلازم الشعر بالفن الغنائي، فهل يمكن إنتاج  الأغاني بدون شعر بجميع أغراضه؟ للحُب،  للسلام، للتعبير عن مشاعر الإنسان نحو الطبيعة الجميلة، للقضايا الاجتماعية والوطنية العادلة ، للنشيد الوطني الرسمي للدول ، للحماسة ورفع معنويات المحاربين في الحروب العادلة الوطنية ضد الأعداء والمحتلين في أي بقعة من أرجاء المعمورة، وهكذا دواليك من أغراض عديدة متعددة. وقد تكون المشكلة في مدى وكيفية مقدرة الشاعر وعبقريته الفنية الإبداعية في إيصال شعره للمتلقي مستمعاً أم قارئاً، وإذا ما حظي الشاعر بموهبة عظيمة في إسلوب إلقاء شعره موظفاً لغة الجسد أمام حضور غفير أثناء الأمسيات والندوات الشعرية، وكان أيضاً شاعراً فصيحاً  مفوهاً، تمكن بذلك من أن يحظى بأوسع إعجاب جماهيري،وخصوصاً إذا ما غنى شعره واحد أو أكثر من مشاهير نجوم الغناء. وما ينطبق على الشاعر ينسحب بلا شك على الشاعرات بصورة خاصة، لأنهن الأقل وجوداً في المشهد الثقافي الأدبي الراهن.

خلال الشهر الفائت حضرت أُمسية شعرية جميلة نظمها مجلس  بن رجب الثقافي للشاعرتين  البحرينيتين ، جنان العود وجمانة القصاب، وتقديم الأستاذة نور حميد، وقد انبهرت لما وصلتا إليه من مستوى في موهبة قرض الشعر الحر، لا سيما أنهما خصصتا شعرهما   في تلك الأُمسية لقضية حرب الإبادة المتواصلة التي يشنها جيش الأحتلال الإسرائيلي على أهلنا في غزة منذ أوائل أكتوبر من  العام الماضي 2023 والتي ما برحت تؤرق كل ذوي الضمائر الحية في العالم، وقد نالت قصائدهما  إعجاب الحضور وطلب المزيد منها، كما ساهمت أيضاً الزميلة هدى حرم بمداخلة شعرية من جانبها. والجميل أن الناقدة الأدبية الدكتورة رفيقة رجب قد أشادت في نهاية الأمسية بمستوى الشاعرتين ، لا سيما بالنظر لقدرتها على توليد إبداع الجمال الشعري من خلال إمساكهما بناصية الاستعارات والتشبيهات والكنايات والطباق والابتعاد عن الوقوع في محذور الأطناب.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .