لعل برنامج الإعلامي والعالم اللغوي المذيع الفلسطيني الفذ حسن سعيد الكرمي"قول على قول" الذي كانت تبثه إذاعة لندن هو من أكثر البرامج اللغوية الإذاعية العربية التي حققت شهرة مدوية ونجاحاً. وبدأ هذا المذيع يقدم هذا البرنامج بُعيد نكبة 1948 بسنوات قليلة واستمر فيه نحو ثلاثين عاماً، و استطاع بأسلوبه المتميز أن يجذب المهتمين باللغة العربية اهتماماً كبيراً والمهتمين بدرجة ما، وكان ذلك في عصر طغى فيه انتشار الراديو، ولم يكن ينافسه حينها التلفزيون، ولم يُتح للكرمي في عصر انتشار جهاز التلفزيون عالمياً أن يقدم برامج تلفزيونية لمحدودية المحطات التلفزيونية في عالمنا العربي حينذاك ، في حين أُتيحت هذه الفرصة للغوي والإعلامي الفلسطيني الموسوعي عارف حجاوي فقد كان يقدم برنامجاً لغوياً في التلفزيون العربي بعنوان " سيداتي سادتي".وغدا خليفة الكرمي بلا منازع في شهرة برنامجه.
على أن اللغوي والإعلامي حجاوي برع أيضاً في التفتيش عن أخطاء مشاهير المطربين العرب في طريقة نطقهم لبعض كلمات الأغاني،حتى لم يسلم منه-على سبيل المثال- محمد عبد الوهاب وأُم كلثوم وفيروز وناظم الغزالي وغيرهم. وهو إلى ذلك كان حجاوي صاحب ثقافة موسيقية عربية وعالمية موسوعية رفيعة المستوى.لكن ما يهمنا هنا فيما يتعلق بطه حسين هو الحلقة التي خصص جزءاً منها لما أطلق عليه ضمن عنوان الحلقة الطويل "سيجارة طه حسين" فقد تناول حجاوي فيها ما اعتبره خطأً مطبعياً في كتاب العميد" الأيام" في الطبعة الصادرة عام 1939 عن دار المعارف، ويستدل أُستاذنا حجاوي على هذا الخطأ في الفقرة التي تحدث فيها عن المعلم والفتى( طه حسين) : "... و كان يقدم السيجارة للفتى، فإذا همّ الفتي أن يشعلها قال له : " انتظر يا بني حتى ألفّها لك...!" هكذا قدمها مقدم البرنامج على الشاشة. ويرى حجاوي إن الخطأ هنا الذي توارثته كل الطبعات يتمثل في كلمة " ألفّها"، حيث أن المعلم قد قال: " انتظر حتى ألِعها لك" بمعنى أشعلها لك وليس " ألفها"، لأن السيجارة ملفوفة، حسب تأكيد حجاوي.
لكن السؤال الذي ينبغي طرحه هنا: كيف علِم أُستاذنا حجاوي أن السيجارة ملفوفه وأن الكلمة الأصلية الصحيحة هي "ألِعَها"؟ هذا السؤال يبرره إذا ما عرفنا بأن سجائر اللف كانت منتشرة في العديد من البلدان العربية في أوائل القرن العشرين لرخصها، ولعلها استمرت حتى ستينيات القرن وإن بشكل محدود. وكانت مصر من أوائل الأقطار العربية التي استوردت التبغ، كما عُرفت بريادتها عربياً في صناعة السجائر وزراعة التبغ. والجدير بالذكر أن طه حسين كان مولعاً بالتدخين، و على الرغم من أن زوجته الفرنسية سوزان بريسو كانت تتصدى له لمحاربة هذه العادة، لكنه كثيراً ما ينجح في الإفلات من رقابتها