لعل الكثير من عشاق الاستماع إلى أغاني الفنانين، المصري عبد الحليم حافظ واللبنانية فيروز، لم يعلموا بقصة أغنية العندليب " ضي القناديل"، فهذه الأغنية الجميلة الرائعة  التي غناها الأخير عام 1960 في ذروة تألقه، هي من كلمات وتوزيع الأخوين الرحباني وتلحين الموسيقار محمد عبد الوهاب.  وكانت في الأصل مُعدة لأن تغنيها فيروز، إلا أنها بالرغم من اعجابها  بالألحان رفضت رفضاً قاطعاً أن تغنيها،ولدا السبب الذي دفعها إلى ذلك غريباً، ويتعلق بكلمات الأغنية التي جاء في مقدمتها:  ضي القناديل والشارع الطويل/ فكرني يا حبيبي بالشارع الطويل/ فكرني يا حبيبي بالموعد الجميل/ بليالي سهرناها/وسهروا القناديل سهروا ياحبيبي. فيروز فسرت دلالات الأغنية تفسيراً تعسفياً أبعد مما تحتمله معاني كلماتها، فقالت بأنها تُبطن الإشارة إلى سهرات بنات الليل سيما عبارة  " يا شارع  الضباب" وأنها تحترم فنها وليست من نوع الفنانين الذين يقبلون مثل هذا الإسفاف. هذا الموقف المتشدد  من جانب فيروز، دفع عبد الوهاب السفر إلى بيروت في محاولة أخيرة من جانبه لإقناعها، لكن جهوده لم تثمر عن أي نتيجة، وعاد إلى بلاده خائباً، وكان خلال لقائه بها قد بذل جهدا خارقاً لإقناعها بأن كلمات الأغاني ليست بالضرورة تعكس الحياة التي يعيشها الفنانون المغنون ، وتساءل: لماذا لا تفرضي أن  المقصود في شارع الضباب هو زوجك، ومع ذلك تمسكت بموقفها الرافض للأغنيةبرفض الأغنية. وبعد عودته إلى القاهرة ظلت الأغنية طوال عامين حبيسة أدراج عبد الوهاب منسيةً، حتى تذكرها صدفة في لحظة من لحظات صفائه وتأملاته ، وقرر عرضها  على “العندليب”، الذي بعد أن قرأ كلماتها وأسمعه عبد الوهاب ألحانها هام بها شغفاً ووافق على الفور بأن يغنيها وكان رائعاً في إدائها. لكن الأغنية خضعت لتغييرات طفيفة في النص، كما تم تغيير لهجتها من اللبنانية إلى المصرية، وتم تغيير أيصاً عبارة “يا شارع الضباب”  إلى عبارة"ضي القناديل" وبدت هذه العبارة الأخيرة أكثر رومانسيةً وجمالاً، كما أضحت أيضاً عنواناً للأغنية بدلاً من العنوان الأصلي " شارع الضباب" .
والحال أن رفض فيروز لهذه الأغنية الرقيقة الجميلة ما يعكس نزعتها الشرقية المحافظة،  كما يُذكٌرنا  بمواقف عديدة لفنانات السينما المصرية رفضن تمثيل أدوار من هذا القبيل، كرفض الفنانة الكبيرة فاتن الحمامة تمثيل دور نفيسة العاهرة في فيلم "بداية ونهاية" من سيناريو الروائي الكبير نجيب محفوظ،وبطولة سناء جميل و فريد شوقي وعمر الشريف، وتلك حكاية أُخرى سنتناولها في المستقبل القريب.