يتفاعل الإنسان طوال الوقت مع ما يدور حوله في بيئته المحيطة بالأخذ والعطاء إيجابًا وسلبًا، هذا التفاعل مداره يكون حول احتياجاته المعرفية التي تكون الباعث الحقيقي لترتيب أولوياته وتحديد توجهاته، وتكوين وعيه وآرائه إزاء القضايا المحلية والإقليمية والعالمية. وهنا تكمن قوة وسائل الإعلام في توجيه الرأي العام حتى صارت سلاحًا يحدد مسارات للحرب وأخرى للسلام حسب ما تقتضيه مصالح الأنظمة والمؤسسات التي تقبض على نواصي الشعوب بامتلاكها هذا السلاح الرهيب الذي أصبح الفكاك من تأثيره بالغ الصعوبة.
لكن دعونا نفرق بين وسائل الإعلام التقليدية ذات التأثير المحدود من قنوات إخبارية ووسائل الإعلام ذات التأثير القوي عبر مواقع الإنترنت، والتي يتابعها ملايين الشباب، خصوصا جيلz الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٢٩ عاما، وهو الجيل الأقوى حاليا على وجه الأرض، هذا الجيل الذي بدأ من حيث انتهى سلفهم، هو الجيل الذي ساهم بشدة في فوز دونالد ترامب رئيس أقوى دولة في العالم حسب تصريحاته لوسائل الإعلام. يقول دونالد ترامب إن ابنه بارون الذي يبلغ من العمر ١٨ عاما نصح والده في حملته الانتخابية بترك وسائل الإعلام التقليدية التي لا يتابعها الشباب والتوجه إلى الظهور عبر لقاءات بودكاست التي يتابعها ملايين الشباب عبر الإنترنت، خصوصا أن دونالد ترامب حصل على ٣٦ % من أصوات جيل z في انتخابات ٢٠٢٠ مقابل ٦٢ % لمنافسه جو بايدن، وقد استجاب ترامب لنصيحة ابنه الشاب الصغير وأجرى ١٢ لقاء حواريًا عبر برامج بودكاست رفعت أسهمه بين الشباب وحصل على ٤٨ % من أصواتهم، ما صنع الفارق مع منافسته المرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس، وعاد ترامب مرة أخرى للبيت الأبيض بنصيحة ابنه أحد أبناء جيل z.
وإن تحدثنا عن الإعلام وقوة سيطرته على الشعوب فسوف تعود بنا ذاكرة التاريخ إلى حقبة الحرب العالمية الثانية التي شهدت بداية التأثير السلبي للإعلام في توجيه الرأي، خصوصا السياسة الدعائية للحزب النازي التي خلفت إرثًا مهولًا من الأكاذيب وأسست لمرحلة انتقل فيها الإعلام من مجرد وسيلة لنقل الأحداث وكشف الحقائق إلى أداة لنفخ نيران الحروب وتهديد السلم المجتمعي، وأصبح هذا الدور السلبي للإعلام يتطور حتى بلغ ذروته بعد الحرب الباردة في مطلع التسعينات، والذي ظهر بوضوح في الحروب الأهلية على أساس طائفي أو عرقي، خصوصا حروب البلقان وحروب وسط أفريقيا التي راح ضحيتها ملايين الأبرياء، وللأسف سيطر الإعلام السلبي وانتشر لأنه يستهدف غريزة الإنسان في البحث عن المعلومة والخبر في المناطق المشتعلة، وذلك تحقيقا للمكاسب المادية والشهرة والانتشار.
لذلك نقول إن الإعلام الإيجابي الهادف هو معركة الشرفاء الذين يهدفون إلى تحقيق السلم الأهلي والمجتمعي، وأن الكتاب والإعلاميين وكل من ينتسب لهذا المجال المهم وجب عليهم القيام بدور فاعل وحقيقي وعدم الاكتفاء بدور الشاهد على الأحداث والناقل لها، فالكاتب والإعلامي في مجتمعه كالطبيب الذي يعالج جسد المجتمع من أمراضه بلا كلل أو ملل.
ونعود مرة أخرى إلى جيل z ودوره في تحويل مسار الانتخابات الأميركية لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب لنقول إن هذا الجيل هو الذي سيقود العالم في المستقبل القريب وأن الاهتمام بهم واحتواءهم إيجابيا هو الذي سيرسم خارطة طريق مستقبل هذا العالم الذي نحن جزء منه وليس بمعزل عن ما يدور فيه، وأن التقليل من شأنهم وعدم استغلال طاقاتهم لصالح الأمن الوطني سيكون توجها خاطئا لن نستطيع تفادي نتائجه السلبية.
وسائل الإعلام التكنولوجية والذكاء الاصطناعي أصبحا أمرا واقعا، وقوة الدول ستقاس باهتمامها بشبابها وتحديدا هذا الجيل الواعد الذي يجب أن نستغل طاقاته ونحترم واقعه ونحتويه بمد جسور الروابط بيننا وبينهم بما يتناسب مع قيم وتعاليم ديننا الحنيف والحفاظ على الصلوات والتقوى تطبيقًا لدعاء نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام (اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلْ الحَيَاةَ زِيَادةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ المَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ).
كاتبة كويتية