العدد 5870
السبت 09 نوفمبر 2024
banner
لماذا فاز ترامب؟
السبت 09 نوفمبر 2024

لم يكن فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب مفاجئا كل الفجأة، لعوامل متشابكة متعددة، منها ما يتعلق بمزاج الناخب الأميركي، وعلى وجه الخصوص البيض منهم الذين تكرست في ثقافتهم رواسب وأعراف منذ تأسيس الولايات المتحدة عام 1776 تتصل بالجندر والعرق، فقد تعودوا على انتخاب رجل من البيض، ومنها ما يتعلق بتصويت فئة من الناخبين عقاباً من خيبة أملهم في الديمقراطي جو بايدن ونائبته كمالا هارس، وكانت هزيمتها غير مستبعدة لضعف خبرتها السياسية، وكونها امرأة تنحدر من أُصول هندية أفريقية، وقد برع ترامب في العزف على هذا الوتر لتحفيز مزاج الناخبين البيض. وسواء تعلق الأمر بالقضايا الداخلية التي تتصدر اهتمام وهموم الأغلبية من الطبقتين الوسطى والعاملة وسائر الفقراء والمهمشين، أم فيما يتعلق بأوضاع الأميركيين من أُصول عربية، وكذلك موقف الإدارة الأميركية المقبلة من قضايا ومصالح العرب وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، فإن من يعوّل على أي تغيير إيجابي في الداخل أو الخارج مخطئ تماماً، وإذا كانت سياسة ترامب على الصعيد الداخلي يُتوقع أن تكون أسوأ نسبياً من سلفه بايدن، فإن من يعلق آمالاً بأن تكون سياسته تجاه القضية الفلسطينية أفضل واهم تماماً. أحرص منذ سنوات طويلة على قراءة المقال الأسبوعي للكاتب الأميركي من أصل عربي جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأميركي؛ لما ينتهجه في كتاباته من خط واقعي معتدل في تحليله المعزز بالمعلومات القيّمة، علاوة على دفاعه الدؤوب عن القضية الفلسطينية وحقوق العرب داخل الولايات المتحدة، لكن أجدني أختلف معه في بعض النقاط في مقاله الأخير الذي صادف نشره يوم الانتخابات.

إذ هو عوّل كثيراً على كاملا هاريس لحساب قضايا داخلية محذراً العرب الأميركيين من انتخاب ترامب باعتباره عنصرياً ومعادياً للعرب والمسلمين وكذلك لكونه معادياً لحقوق المرأة وسائر الحقوق المدنية وغيرها. وهو يبرر ذلك حتى مع اعترافه بمواقف بايدن المخزية من التواطؤ الإجرامي في دعم إسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على سكان قطاع غزة منذ أزيد من عام. على أن زغبي فاته أن بايدن لم يحرك ساكناً غداة فوزه بالرئاسة 2020 إزاء قرارات بالغة الخطورة اتخذها سلفه ترامب تضرب القانون الدولي والأمم المتحدة بعرض الحائط والمتعلقة باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وبشرعية الاستيطان، واعترافه بشرعية ضم الجولان السوري لها أيضاً، وقد تنبأنا حينئذ في أول مقال لنا غداة فوزه بأن الرئيس الجديد بايدن لن يجرؤ على إلغاء هذه المكاسب المجانية التي قدمها سلفه لصديقة بلاده المدللة على طبق من ذهب، وهذا بالضبط ما حصل. وبطبيعة الحال لا يُنتظر من نائبته المرشحة المهزومة هاريس لو فازت، سوى السير على خطى نهج رئيسها السابق، سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وحرب الإبادة الجارية على غزة أم فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي الهمجي الوحشي الحالي على لبنان.

بالإضافة لما تقدم ذكره من عوامل ساعدت ترامب في فوزه، ثمة عوامل رئيسية أخرى، لا يتسع المجال هنا لاستعراضها، ولعل أهمها وقوف فئة كبيرة من أساطين المال والمليارديرية إلى جانبه في دعم حملته باعتباره خير ممثل لمصالحهم، وعلى رأسهم إيلون ماسك أغنى رجل في العالم، مالك منصة “إكس” أهم منصة لحرية التعبير في الفضاء العالمي، وصاحب شركة خاصة لإنتاج الصواريخ الفضائية ورئيس إدارة شركة “تسلا”، وجيف بيزوس مالك شركة أمازون وصحيفة “واشنطن بوست”، وباتريك سون شيونغ، قطب الأعمال في مجال التكنولوجيا، الذي قدم دعمه له بشكل خفي غير معلن. وتعد الولايات المتحدة أكبر الدول الرأسمالية في العالم التي يضخ فيها أساطين المال أموالاً هائلة في الحملات الانتخابية الأميركية المتعاقبة لمصالحهم الخاصة الضيقة، ويشير تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط” إلى أن المليارديرية الجُدد ازدادوا منذ ولاية ترامب الرئاسية السابقة إلى اليوم بنسبة 38 %، مثلما ازداد التهرب الضريبي من قِبل الكثير منهم، وكذلك خرقهم قانون منع الاحتكار. وبعض هذه الاتهامات - كما نعلم - كان الرئيس المنتخب القادم ملاحق رقابياً بسببها. دعك عن عشرات الاتهامات الأخرى الملاحق فيها قضائياً، ولهذا السبب يتهافت الكثير منهم للحصول على مناصب حكومية بغرض التأثير من خلال النفوذ الذي توفره لهم هذه المناصب للحيلولة دون ملاحقاتهم رقابياً، وليس بعيداً عن هذه الصورة ما تهافت من أجله الملياردير الرئيس المنتخب المقبل ترامب نفسه، سواء خلال حملته الانتخابية في 2016 التي فاز بها بالرئاسة أم خلال حملته الأخيرة التي توجته بالفوز.

وغير بعيد عن هذه الصورة للمال السياسي الذي يضخ لصالح كبار الرأسماليين، حجم ما تم جمعه لحملة هاريس وترامب، فمع أن الأولى تمكنت من جمع أكثر من ملياري دولار، في حين أن الثاني لم يتمكن من جمع سوى أكثر بقليل من مليار دولار، إلا أن الحملتين غير متكافئتين عمليا بالنظر لوقوف أغنى كبار الرأسماليين إلى جانب ترامب، ومن الواضح أن ترامب تغلب على هاريس في استمالة عدد أكبر من هؤلاء وأهمهم في عالم البزنس. ولك أن تتخيل شكل هذه الديمقراطية التي لا يغيب عنها التكافؤ بين المتنافسين فحسب، بل يتحكم بموجب مخرجات نظامها الديمقراطي والانتخابي قلة قليلة من أكبر كبار الرأسمالية المتربعين على قمة الهرم الاجتماعي لتغليب مصالحهم على حساب مصالح الأغلبية الساحقة من الشعب وهم بمئات الملايين، وجلهم من الطبقة الوسطى والعمال وذوي الدخل المحدود والمعدمين في قاع ذلك الهرم.

 

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .