في بلد مثل البحرين كانت في يوم مضى تسمى بلد المليون نخلة.. وكانت بيئتها الطبيعية تحفل بطيف واسع من مختلف أنواع الأشجار المثمرة والمعطاءة؛ الى جانب قائمة واسعة من الأشجار غير المثمرة والنباتات الطبيعية التي كانت تتكافل فيما بينها لتنقية البيئة البحرينية ومدها بالأكسجين والمساحات الخضراء والثمرات.. أقول: في بلد كان هكذا في ماضيه القريب، تعتبر مبادرة (أسبوع الشجرة) التي أقرها مجلس الوزراء الموقر؛ وحظيت برعاية خاصة من سمو ولي العهد، حفظه الله؛ ثم اهتمام المسؤولين ووزارات ومؤسسات الدولة.. تعتبر هذه المبادرة قرارا وطنيا مؤشرا على الاستدامة.. وخيارا مسؤولا ينبغي أن يتم تبنيه وفق تشاركية وطنية حقيقية وشاملة، وهو ما نتمنى أن يحدث في العام المقبل وفي الأعوام التالية.
لقد بدأت مقالتي هذه بالحديث عن (بلد المليون نخلة) ولكني حقيقة لا أنوي الحديث عن الماضي؛ بل عن الحاضر والمستقبل.. فمبادرة أسبوع الشجرة كما أراها؛ هي مبادرة رائدة لتحسين جودة الحاضر ومبادرة استشرافية لضمان استدامة المستقبل.. وهي تأتي في وقت تحديات قاسية بسبب التهديدات المناخية المتزايدة في جميع أنحاء الكوكب، وفي ظل تراجع المساحات الخضراء في البلد وفي المنطقة كافة، مما يتطلب تسليط الضوء على أهمية اتخاذ إجراءات عاجلة، وتقديم مبادرات على مستوى الوطن لزراعة الشجرة والعناية بها وتكثير أنواعها وإعادة الاعتبار لها باعتبارها ثروة وطنية.. وما نأمله من أسبوع الشجرة أن يكون مشروعا وطنيا للتشجير يضمن مشاركة كافة فئات المجتمع والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية والرسمية.. وأن يكون مشروعا توعويا؛ يشتمل على مبادرات هامة لتعزيز الوعي البيئي والمسؤولية الاجتماعية في هذا المضمار الواسع والمتعدد المسارات والاهداف؛ وبحيث يشير بوضوح الى أن العناية بالأشجار ليست مجرد واجب ينتهي مع زرع شجرة؛ بل هي مسؤولية وطنية ومجتمعية؛ واستثمار في صحة الوطن والكوكب؛ بل استثمار في أجيال المستقبل..
واذن فنحن في أسبوع الشجرة أمام منجز وطني بحق. بل وأمام مبادرة وطنية يمكن أن تكون رديفا مكافئا ومكملا لمبادرة (بحريننا)؛ فكما أن الثانية هي مبادرة لتعزيز الانتماء الوطني، فإن الأولى هي مبادرة لتعزيز الانتماء للأرض، وكلاهما معا تشكلان مشروعا متكاملا لتعزيز الروح الوطنية البحرينية، كما هي في الرؤية الملكية السامية.
وضمن هذا الفهم المتكامل والموسع، فإن ما نأمله من أسبوع الشجرة في العام المقبل، أن يكون أسبوعا وطنيا بحق.. وتظاهرة بيئة وطنية.. تنهض لتعزيزها كل وزارات الدولة ومؤسسات الوطن في قطاعيه العام والخاص.. وأن تشارك فيها المدارس والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني ونوادي الشباب والرياضة.. بل أن تشارك فيها الأسر البحرينية؛ بحيث يشعر الآباء والأمهات والأبناء أنهم شركاء في المسؤولية الوطنية والاجتماعية لجعل البحرين بلدا افضل وبيئة أفضل ومجتمعا افضل واقتصادا أفضل..
ولا بأس أن تقوم وزارة الزراعة مثلا بتوقيع مذكرات تفاهم مع مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات والنوادي الشبابية للعمل على زراعة وتشجير مناطق محددة والتكفل بمسؤولية استدامتها.. كما يمكن للوزارة ان تقوم بالتعاون مع البلديات لإنشاء حدائق شجرية عامة ولو بمساحات صغيرة في البلديات وتشجير الطرقات على أطرافها وفي الضواحي البلدية.. ويمكن دعوة الشركات والبنوك ومؤسسات القطاع الخاص لكي تكون شريكا في هذه المبادرات والمشاريع من باب المسؤولية الاجتماعية..
إنها مسؤولية وطنية واجتماعية وبيئية تقع على عاتق الجميع.. فقديما قالوا: غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون.. وهي مقولة على عمقها وبساطتها إلا أنها تصلح أن تكون أفضل تعبير عن الاستدامة.. وأفضل رسالة إنسانية تتوارثها الأجيال نحو البيئة ونحو الوطن على حد سواء..
إن تحسين جودة الهواء، والتخفيف من مستويات التلوث، ودعم التنوع البيولوجي، ومواجهة آثار التغير المناخي، وتعزيز السياسات البيئية، وزيادة الرقعة الخضراء.. كل هذه المفاهيم لم تعد اليوم ترفا ثقافيا وشعارات يتم تداولها في المؤتمرات والمنتديات العالمية.. بل أصبحت مسؤولية فردية ومجتمعية ودولية وعالمية. وصارت مقياسا لمستوى تقدم الدول والشعوب، واستدامة البلدان، ومشاركة المجتمعات فيما يعزز من جودتها كمجتمعات إيجابية ذات مسؤولية تجاه نفسها وتجاه بيئتها وتجاه مستقبل أبنائها.. وكل ذلك يمكن أن يكون ضمن الرسائل التي يشتمل عليها أسبوع الشجرة..