العدد 5863
السبت 02 نوفمبر 2024
banner
“الأونروا” والإبادة المستقبلية البطيئة
السبت 02 نوفمبر 2024

على مدى أكثر من عام ما فتئت آلة حرب الإبادة والتدمير المنهجي الإسرائيلية العنصرية بحق أهالي قطاع غزة ماضية قُدمًا بشكل يومي أمام مرأى ومسمع العالم “المتحضر” دون أن تستطيع أية قوة في العالم وقفها، بل بمباركة وتواطؤ قوى عظمى، على رأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الكبار، أو بصمت أو تنديد لفظي خجول من قِبل قوى عظمى أُخرى، وكل ذلك يوفر أفضل غطاء لمجرمي حرب الإبادة نحو تصعيد وحشية جرائمهم يومًا بعد يوم دون أدنى مبالاة. وإذ تكاد تتركز أنظار الرأي العالمي على شكل واحد من صور حرب الإبادة، تتمثل في عمليات نسف البيوت وإجبار سكانها على التهجير ثم قصف وإبادة المهجرين في أماكن الإيواء التي يزعم مجرمو الحرب أنها آمنة كذبًا، فإن أشكال هذه الإبادة تتعدد، منها على سبيل المثال لا الحصر: 1- القصف المنهجي لمستشفيات القطاع مرات ومرات، بغية تفويت أية فرصة لنجاة المصابين من حرب الإبادة، لاسيما ذوو الإصابات الخطرة والبليغة. 2- عرقلة إدخال قوافل الإمدادات الغذائية والعلاجية منذ ما يزيد عن سنة على بدء حرب الإبادة. 3- أما الشكل الثالث من أشكال حرب الإبادة الذي لم يسبق لأية جهة تناوله، فهو يتمثل في تقديرنا في إنقاذ ضحايا هذه الإبادة الصهيونية العالقين بين ركام البيوت والبنايات المنسوفة في النجاة، وذلك من خلال السماح بإدخال آلات حديثة تزيل الركام سريعًا، للحيلولة دون تعرض أكثرهم للهلاك بمضي الوقت، خصوصًا أن أغلبهم من الأطفال والنساء. إن توفير هذه الآلات يُعد حقًّا إنسانيًّا ينبغي تشريعه دوليًّا بالسرعة القصوى، مع توفير أداة تشريعية ذات آلية ترغم الاحتلال على الرضوخ لهذا الحق. أما آخر ما تفتقت عنه عقلية الحقد العنصري الصهيوني الأعمى تجاه الشعب الفلسطيني، فهو التخطيط لشكل آخر من أشكال الإبادة البطيئة لهذا الشعب يبدأ مع اليوم التالي لوقف الحرب الحالية، ويتمثل ذلك في قرار برلمان اليمين العنصري الإسرائيلي بحظر وكالة غوث اللاجئين “الأونروا”.

وإذا ما تذكرنا الأهمية الفائقة لخدمات الأونروا في حياة أجيال متعاقبة من اللاجئين الفلسطينيين على مدى ثلاثة أرباع القرن منذ إنشائها بقرار أُممي في 1949 غداة النكبة، لأدركنا خطورة القرار الفاشي العنصري الإسرائيلي الذي يرقى إلى مستوى الإبادة المستقبلية البطيئة، وذلك تحت وهم إمكانية القضاء على مشكلة اللاجئين، ومن ثم التخلص من حقهم المشروع المثبّت دوليًّا في العودة إلى وطنهم فلسطين العربية ومعهم سائر فلسطينيي الشتات في العالم. فهذه “الوكالة” تقدم خدمات إنسانية حيوية في منتهى الأهمية لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني يعيشون في 58 مخيمًا في القدس الشرقية والضفة والقطاع والأردن ولبنان وسوريا، وتشمل هذه الخدمات: التنمية البشرية والتعليم والرعاية الصحية والمساعدات الغذائية والإغاثة والخدمات الاجتماعية وتوفير لوازم البنية التحتية. أكثر من ذلك فإن حظر الأونروا سيحوّل حياة اللاجئين الجُدد الناجين من المحرقة الصهيونية إلى جحيم حقيقي، ناهيك عن اللاجئين الأصليين الذين يشكلون معظم سكان القطاع )سكانه أكثر من مليونين(.

ورغم الضجيج والفوضى العارمة التي أحدثتها الأغلبية اليمينية العنصرية داخل الكنيست، للتشويش على مداخلات النواب العرب العشرة داخل الكنيست، إلا أن هؤلاء وفي طليعتهم النائبة الوطنية الفلسطينية عايدة توما سليمان (من عرب 48)، تمكنوا بشجاعة وبالدلائل والأسانيد التي لا تُدحض من فضح مرامي مخطط قرار حظر الأونروا والجذور التاريخية المبيتة لتحين الفرصة لاتخاذه بلا وجه حق، وهذا ما سبّب خروج نواب الأغلبية اليمينية عن طورهم، رغم امتلاكهم الأغلبية الساحقة لتمريره وهو ما فعلوه. ورغم الإدانات العربية والدولية لهذا القرار الخطير، إلا أنها بحاجة لضغوط عربية رسمية ودولية ملموسة وأقوى داخل الأمم المتحدة، خصوصًا إزاء الدول التي يخشى منها التصويت بالفيتو، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ومن ثم دفعها لتضغط على حليفتها إسرائيل للتراجع عنه، باعتبار الأخيرة دولة عضوًا في الأمم المتحدة استمدت شرعيتها الدولية عام النكبة من قراراتها، فيما أضحت اليوم دولة عنصرية مارقة لا تتورّع عن هدم وكالة إنسانية تابعة لها هي واحدة من أهم وظائفها الأُممية الإنسانية!.

 

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية