أنت هنا.. في مكان ما الآن، لعلّ لطف الرحمن وكرمه أنعم عليك بالصحة والعافية، وأنت هنا في مكان ما، تصارع الحياة، وفي زاوية أخرى أنت وحيد وبالاتجاه المعاكس، أنت مكتظ بما حولك، الآن تضحك وبعد ساعات تحزن وتبكي، وهنا بمرضك وضعفك، وهنا في رغد الحياة ونعيمها ومن جانبٍ آخر أنت في امتحان الصبر والقلق، ولعلك في وظيفة أحلامك، وغيرك يبحث عن وظيفة يسد بها قوت يومه، أنت تدعو بإكمال نصف دينك، وغيرك يدعو (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)، وهناك من يدعو بصلاح أبنائه، وغيرهُ يطلب الرحمة لفقده، أنت وأنا ولكل منّا قصة تُروى ولا يستطيع أن يرويها. الحياة ظاهرها متغير وباطنها نِعم من الله عز وجل، (الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، فالأيام دول وهكذا هي تروى بين الناس، الصالح له من الخير والصلاح، والظالم ولو بعد حين سيُجزى، والفقير في غنى الرحمن يُرجى، والغني محاسب بما يكسب ويعطي، تلك هي دورة الحياة، فيها من الدروس ما يغنيك عن التفكير والاكتفاء بنفسك وبقوة إيمانك، وثباتك وقوّة بأسك وصلابة عودك. قضاؤك مكتوب وقدرك بقدرته، وتغيير حالك يبدأ منك ومسيرتك أنت تخطوها وتمشي على صراطها، فلا عمل من دون جهد ولا جهد من دون عمل، فخير استثمار هو استثمارك بنفسك وقدرتك وإيمانك ببذرة الخير التي بداخلك وسقيها وتربيتها حتى تنهض بك، حينها تكون قائدًا لنفسك وذاتك وأحيانًا كثيرة لمن حولك أيضًا، كُن قويًّا “اعتمد تلك المقولة دائمًا”.
(إني لما أنزلت إليّ من خير فقير)، كُل ذي روح له من هذه الآية الكريمة نصيب، فالخير من صاحب الخير والرزق من الرزاق الكريم والفقر من الذي يغيّر من حالٍ إلى حال، فاليوم أتم عليك نعمه مهما كانت حالتك، وتذكر أنك تطأ في موطئ قدمٍ مؤقت فاعمل للدائمة وجودها مهما استصعبت عليك حالتك وحاربتك نفسك، (ابدأ بنفسك فـاغزها، وابدأ بنفسك فجاهدها) فجهاد النفس عظيم، وحينها تُحقق المراد (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) صدق الله أكرم الأكرمين.