اللفتة الملكية السامية لتكريم وزارة الداخلية، وتخصيص إدارة العقوبات البديلة بالتكريم السامي والإشادة الرفيعة، هذا التكريم له دلالاته الواضحة ورسائله البائنة بينونة يفترض ألا تغيب عن المتابعين والمراقبين والمعنيين بالشأن الوطني عموما وبشأن حقوق الإنسان على نحو خاص، غير أن أول ما ينبغي أن نحيط به ونتوقف عنده في هذه المناسبة الرائدة، هو هذا النهج الملكي الرشيد وهذه اللفتة النبيلة في تعزيز مبدأ تكريم المنجزين والمجدين في أعمالهم والقائمين أحسن قيام في تنفيذ المهمات الموكلة لهم، والتوجيهات السامية التي حملوا أمانة تنفيذها بخدمات مباشرة يقدمونها لإنسان هذا الوطن وللوطن عموما، باجتهاد في العمل، وريادة في المعالجة، وإنسانية في التعامل، ووطنية في الوازع والدافع، وفي مآل كل عمل عام هدفه المساهمة في رفعة البحرين وإعلاء شأنها وخدمة مواطنيها.
وإذا كان لنا ثمة دور هنا، كإعلام وقادة رأي، فهو أن نقف بإجلال واحترام وإكبار أولا لهذا النهج الملكي السامي والنبيل، وأن نعمل بدورنا على تعزيزه عبر تسليط أضواء الحقيقة الكاشفة على هذه الجهود الوطنية بما يليق بها من تقارير ومقالات تساهم في تكريم هذه الجهود وتعميم أفكارها ورسائلها، وما تستند إليه من فكر رشيد وتوجهات وطنية وازنة، وما تمثله من اهتمام بإنسان هذا الوطن وحقوقه وكرامته ومكانته، مواطنا كريما في وطن كريم، وعامل نهضة وتنمية في مجتمع متكافل متضامن.
يدرك أن العقاب وإن كان إجراء قانونيا عادلا، إلا أنه يجب أن لا يسلب المواطن حقوقه المدنية والإنسانية والمواطنية الأخرى، بل ينبغي لهذا العقاب أن يكون عاملا على إعادة بناء شخصية الذين يقع عليهم وتأهيلهم، ودعم مسارات التصحيح التي يريدون انتهاجها لتعديل أوضاعهم وتعزيز أدوارهم التنموية والمحافظة على كرامتهم الإنسانية كأبناء لهذا الوطن الذي وصفه جلالة الملك المعظم القائد بأنه “يسع كل أبنائه”.
إن أسباب الفرادة وروافع الاعتزاز بالبحرين وطنا ومليكا ونهجا وتقدما وازدهارا، كثيرة ومتنوعة، ولا شك أن قانون العقوبات البديلة ومشروع السجون المفتوحة يعدان من أسباب وعوامل الفرادة والتميز للبحرين ونظامها القضائي والتشريعي، وكذلك لأساليب تطبيق العقوبات التي تكتسب قطعية قانونية وتشريعية واجبة التنفيذ، فالبحرين تكاد تكون الدولة الوحيدة في المنطقة التي تطبق هذا النهج، وهي بالتأكيد الأولى في انتهاج هذا المسار الإنساني والحقوقي الرفيع.. وهو أمر يحسب للبحرين مملكة ومليكا.. ويحسب لها نظاما وقانونا وحكومة.. وتحسب لوزارة الداخلية، ولإدارة العقوبات البديلة فيها هذه الريادة في التنفيذ، وهذه الشفافية في الأداء، وهذه الاعتبارات الإنسانية والحقوقية التي يتضمنها هذا النهج وفي نفس الوقت يضمنها، ويتكفل بالمحافظة عليها.
والواقع أن رشد منظومتنا الإصلاحية وتطور مبادئ وآليات تطبيق القانون وتحقيق العدالة الجنائية في مملكة البحرين لا يشير فقط إلى تقدم مملكة البحرين وريادة نظامها القانوني وفرادة وتميز نظام تطبيق العقاب فيها.. بل لابد من الإشادة هنا بالجهاز المنوط به تطبيق هذا القانون وتنفيذه روحا ونصا وإجراءات بما يكفل إنسانية المطبق عليهم هذا القانون وإجراءاته، وإلا فإن هذا القانون سيفقد روحه والمبادئ التي قام عليها والضمانات الإنسانية والحقوقية التي يشتمل عليها.. وهنا موقع الإشادة المستحقة لوزارة الداخلية ووزيرها معالي الفريق أول ركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، أولا، وللإدارة العامة لتنفيذ الأحكام والعقوبات البديلة ومديرها العام الشيخ خالد بن راشد آل خليفة.. وهي إشادة مستحقة بادر إليها جلالة الملك المعظم والقائد الإنسان لما لمسه جلالته من إنجازات رفيعة توصلت إليها هذه الإدارة جهازا وضباطا وأفرادا واختصاصيين.. ولأن مثل هذه القوانين الرشيدة ومثل هذا التطبيق الرفيع لها يساهمان في ريادة الرسالة الحضارية، التي تصدى لحملها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم وما تضمنه من ترسيخ للعدالة، وإعلاء لحقوق الإنسان، وصيانة لكرامة الإنسان في وطنه ومكانته ودوره ضمن النسيج المجتمعي.
والشكر والثناء والإشادة موصولة أيضا للأجهزة القانونية والقضائية المشاركة في تحقيق روح قانون العقوبات البديلة، وضمان التنفيذ بالشكل الذي يكفل للإنسان إنسانيته وللمواطن مواطنته، وهو الأمر الذي توقفت عنده الكلمة السامية التي تفضل بها جلالة الملك المعظم وهو يكرم الإدارة العامة لتنفيذ الأحكام والعقوبات البديلة.
وختاما.. فإن فكرة العقوبات البديلة والسجون المفتوحة وهي تكتسب سياقها الإنساني الفريد وكيانها الحقوقي الرفيع، تستحق مزيدا من الإضاءات الإعلامية والصحافية من مختلف أجهزة الإعلام الرسمية ومن الصحافة الوطنية، ولن أجد غضاضة في الاعتراف بأنني فوجئت بالأرقام المذهلة التي وردت في كلمة معالي وزير الداخلية أمام جلالة الملك المعظم على الرغم من متابعتي الشأن العام.. وثمة كثيرون مثلي في الوطن وغيرهم كثير في الخارج، ربما لا يعرفون أن تطبيق قانون العقوبات البديلة بدأ منذ العام 2018.. وأن عدد المستفيدين منه بلغ نحو ثمانية آلاف شخص، ومربط الفرس هنا أننا أمام إنجاز يستحق الإشادة وتطبيق رشيد يستحق التكريم.. وإذا كان جلالة الملك المعظم قد سبقنا - كعادته - إلى هذا التكريم وهذه الإشادة.. فلنتابع نحن بدورنا هذا المسار الرشيد وهذه المبادرة النبيلة بما يليق بهما من متابعات إعلامية وصحافية من شأنها ليس فقط إظهار إنجاز وطني.. بل التبشير أيضا بوطن حافل بالإنجازات.
كاتب بحريني