في خطوة تعكس التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى بناء ممر اقتصادي مع دول الخليج، مع التركيز على السعودية، التي تعمل على تعزيز مكانتها كمزود رئيس للطاقة عالميا. هذا الممر الاقتصادي يتوقع أن يشمل مجالات الطاقة المتجددة وتبادل البيانات، إضافة إلى تعزيز التبادل التجاري بين الجانبين.
وفي القمة الخليجية الأوروبية، لعبت البحرين دورا مهما ضمن الوفد الخليجي، إذ تسعى المملكة لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي مع الاتحاد الأوروبي إلى جانب باقي دول مجلس التعاون الخليجي.
البحرين التي تتمتع بعلاقات متينة مع الاتحاد الأوروبي في مجالات متعددة مثل الاقتصاد والتجارة والأمن، تنظر إلى هذه القمة كفرصة لتوسيع هذه الشراكة.
أهمية البحرين في التعاون الاقتصادي
البحرين تركز بشكل كبير على جذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير قطاعات مثل الخدمات المالية، التكنولوجيا، والطاقة المتجددة. وعبر مشاركتها في القمة، تسعى البحرين إلى تعزيز مكانتها كمركز مالي وتكنولوجي في المنطقة، مستفيدة من العلاقات المتينة مع دول الاتحاد الأوروبي.
التحديات والفرص
البحرين، مثل بقية دول الخليج، ترى في هذه القمة فرصة لتعزيز التعاون في الطاقة المتجددة والابتكار التكنولوجي. إذ تستهدف تعزيز استثماراتها في هذه القطاعات، تزامنا مع التحولات العالمية نحو الطاقة النظيفة والاستدامة.
الاعتماد الأوروبي على الغاز
بحسب بيانات المفوضية الأوروبية، شكلت روسيا في العام 2023 نحو 15 % من إجمالي واردات الغاز للاتحاد الأوروبي، بانخفاض كبير مقارنة بالسنوات السابقة. بينما تراجعت روسيا إلى المركز الثالث، تصدرت النرويج القائمة بنسبة 30 % من واردات الغاز، تلتها الولايات المتحدة بنسبة 19 %.
أما شمال إفريقيا، فقد شكلت 14 % من إجمالي الواردات. في هذا السياق، تأتي دول الخليج كلاعب متوقع في سوق الغاز العالمية، مع سعيها لتعزيز قدراتها الإنتاجية.
السعودية تلعب دورا مركزيا في هذا التعاون، وفقا لما صرح به الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، بأن المملكة تسعى إلى رفع قدرتها الإنتاجية للغاز بنسبة 63 % بحلول 2030 لتصل إلى 21.3 مليار قدم مكعب يوميا، مقارنة بـ 13.5 مليار قدم مكعب حاليا.
هذا الغاز سيستخدم بشكل أساسي لتلبية احتياجات الطاقة المحلية، بينما سيتم تصدير الفائض في صورة هيدروجين أو غاز طبيعي مسال.
وإضافة إلى جهودها في مجال الغاز، تطمح السعودية إلى أن تشكل مصادر الطاقة المتجددة نحو 50 % من مزيج الطاقة بحلول العام 2030. المملكة أطلقت في يونيو الماضي أكبر مشروع مسح جغرافي لمشروعات الطاقة المتجددة، ويشمل تركيب 1200 محطة لرصد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
كما أعلنت عن خطط لطرح مشروعات لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة بطاقة 20 غيغاواط سنويا؛ بهدف الوصول إلى 130 غيغاواط بحلول 2030.
التحول الأوروبي نحو مصادر الطاقة الجديدة
هذه الجهود تأتي في وقت حساس بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي يسعى إلى تقليل اعتماده على الوقود الأحفوري الروسي بعد الحرب في أوكرانيا.
وعلى الرغم من تراجع واردات الوقود الروسي إلى مليار دولار شهريا بنهاية 2023، إلا أن الاتحاد مازال يبحث عن شركاء جدد لضمان استقرار إمدادات الطاقة. والتحرك نحو دول الخليج، التي تمتلك إمكانات هائلة في الطاقة التقليدية والمتجددة، يمثل خطوة استراتيجية للاتحاد في هذا الصدد.
شراكة شاملة من أجل الاستقرار والازدهار
في كلمته أثناء انطلاق أعمال القمة الخليجية الأوروبية، شدد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، على أهمية “شراكة شاملة وأقوى” بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي؛ لتحقيق رخاء الشعوب.
وأكد استعداد الجانب الأوروبي للتعاون مع دول الخليج لمعالجة التحديات الدولية، خصوصا في الشرق الأوسط الذي يواجه تحديات واضطرابات كبيرة.
من جانبه، عد جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن هذه القمة تمثل محطة انطلاقة إضافية لتعميق التعاون والشراكة بين الجانبين.
وأعرب عن أمله في أن تثمر القمة عن نتائج تعزز الاستقرار والازدهار في المنطقة، مشيرا إلى أن مستقبل التعاون بين الاتحاد الأوروبي والخليج “واعد” نظرا للإمكانات الكبيرة التي يمتلكها الجانبان.
التطلعات المستقبلية
الحديث عن التكامل الاقتصادي والسياسي بين التكتلين يعزز توقعات مستقبل أكثر تعاونا في ظل التطورات الجارية.
فالاتحاد الأوروبي يسعى إلى شراكات جديدة من شأنها أن تسهم في تحقيق الاستقرار الطاقي والاقتصادي، بينما تتطلع دول الخليج إلى تعزيز حضورها على الساحة العالمية كلاعب رئيس في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا.
ويتوقع أن يساهم هذا الممر الاقتصادي المقترح في تحقيق التكامل التجاري بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، ودفع عجلة النمو الاقتصادي لكلا الطرفين في عالم يشهد تغيرات سريعة في المجالات السياسية والاقتصادية.