يعد التحكيم واحدا من أقدم وسائل فض المنازعات التي عرفها الإنسان منذ بدء الخليقة، وأصبح التحكيم التجاري الدولي اليوم، نظاما قضائيا عالميا له صور وأشكال متنوعة، بل أصبح ضرورة يفرضها واقع التجارة الدولية. ولذلك حظي باهتمامات منذ ما يزيد عن نصف قرن، وأبرمت الدول بشأنه الكثير من الاتفاقيات و”البرتوكولات” والمعاهدات ومذكرات تفاهم عدة.
ومن أهم الحضارات القديمة التي عرفت التحكيم، الحضارة البابلية، وذلك من خلال المعاهدة المبرمة بين مدينة “أوما” UMMA ومدينة “لاجاش” LAGASH العراقيتين، حوالي 3100 ق.م. ومن بين ما تضمنته هذه المعاهدة اللجوء إلى التحكيم كوسيلة لحل النزاعات التي قد تثور بينهما.
ويلعب التحكيم اليوم في عصرنا الحديث، عصر العولمة والاقتصاد السياسي، سيما جذب المستثمرين واستثماراتهم للدول المضيفة، دورا هاما في حسم المنازعات التي يمكن أن تسيرها عقود الاستثمار، إلى درجة أن البعض يعتبره أمرا حتميا بشأن هذه الطائفة من العقود، وأنه أصبح القضاء الطبيعي في هذا المجال باعتباره قضاء خاصا.
وقد اتخذت مبادرات عديدة على المستويات الوطنية والدولية لدعم كفاءة التحكيم، والترغيب فيه كوسيلة لتسوية منازعات التجارة والاستثمار ذات الطابع الدولي.
مما جعل المتعاملين في إطار العلاقات الدولية يفضلون التحكيم على قضاء الدولة، وخاصة في عقود الاستثمار على حد سواء.
وهنالك طبعا مبررات ومزايا عدة، تدعو إلى اللجوء إلى التحكيم في منازعات عقود الاستثمار، ونذكر هنا بعضا منها:
أولا: مزايا التحكيم تتناسب مع طبيعة منازعات عقود الاستثمار: من حيث طبيعة أطراف هذه العقود، سيما المستثمر الأجنبي، ومدة الاستثمار الطويلة أحيانا.
ثانيا: السرعة في الإجراءات: وهو الأمر الذي يؤدي إلى سرعة إصدار قرار التحكيم أو حكم التحكيم.
ثالثا: السرية: إن قرارات وأحكام التحكيم عادة لا تنشر، بعكس ما يحدث بالنسبة للقرارات والأحكام القضائية الأخرى.
رابعا: التحكيم قضاء متخصص: والذي قد يلجأ إلى الاستعانة فيه بأهل الخبرة، عن مسائل التجارة الفنية الدولية.
خامسا: حرية الأطراف في ظل التحكيم: فمرونة التحكيم تسمح للمتنازعين بتشكيله على النحو المناسب لهم، دون مخالفة لقوانين البلد طبعا.
سادسا: التحكيم ضمانة قضائية إجرائية لتشجيع الاستثمار بالبلد.