لا شك أن كبار المستثمرين، ولنقل أصحاب المليارات منهم، يضعون أمنهم الشخصي وأمن عائلاتهم في المقام الأول، عندما يفكرون في الاستقرار ببلد ما، وفي الدرجة الثانية جودة الحياة ومستوى الرفاهية الذي يمكن أن يتنعموا به في هذا البلد.
بالمقابل، دعوني أقولها بصراحة، نحن في البحرين بحاجة أكبر للترويج لهذه الميزة التي نملكها بفضل الله وجهود حكومتنا الموقرة وتآلف شعبنا الكريم. نحن نقدّم الكثير من المزايا التنافسية للمستثمرين من اقتصاد حر وسوق مفتوح وحرية تحريك الأموال وتسهيلات ودعم “تمكين” وحتى الرخصة الذهبية للمشروعات الاستثمارية الكبرى، لكن هلا ركزنا أكثر على ميزة الأمن والأمان التي يتمتع بها المستثمر المقيم في بلدنا؟
أقول هذا الكلام عن تجربة شخصية، فأنا كأي رجل أعمال أسافر كثيرًا، وأحضر العديد من المؤتمرات واللقاءات والمعارض وغيرها من الفعاليات الرسمية وغير الرسمية، وأؤكد أنه بإمكاننا وضع الأمن والأمان وجودة الحياة في بلادنا بمقدمة عوامل الجذب التي نستهدف من خلالها المستثمرين.
في بلادنا لن يخاف المستثمر على سيارته الفارهة وساعة يده باهظة الثمن، بالمقابل نسمع في معظم دول العالم، حتى أميركا وأوروبا والهند وغيرها، عن الكثير من حوادث السرقة والسطو المسلح وحتى الطعن لرجال أعمال ومستثمرين من قبل عصابات ولصوص ومشردين.
حتى على صعيد المواطن العادي في تلك الدول، نراه يدفع ضرائب بنسبة 40 % أو 50 % أو 60 %، أي أنهم يعملون نحو 4 أو 5 أو 6 أشهر من السنة بدون مقابل، ومن أجل ماذا؟ مؤشر أمان منخفض للغاية، تعليم متوسط، رعاية صحية دون المتوسط، بينما تبرز دول مجلس التعاون الخليجي كأفضل وجهة للأفراد والشركات في العالم، وتُعزى العديد من العوامل إلى هذا التوجّه البارز للمهاجرين والاستثمارات نحو دول الخليج، بما في ذلك البيئة الاقتصادية المواتية، والفرص الوظيفية الواسعة، والبنية التحتية المتطورة، كما أننا لا ندفع الضرائب في الخليج مثل دول الغرب، ومع ذلك لدينا أكثر الأماكن أمانًا في العالم، ورعاية صحية متطورة، وتعليم عالي الجودة، حتى لو كنا ندفع لأجل بعض الخدمات، لكن إذا أجريت الحسابات الرياضية اللازمة ستجد أنه حتى إذا دفعت لبعض الخدمات فإنها مازالت أرخص بكثير من الدول الأخرى.
وكمثال من واقع الحياة، اجتذبت دول الخليج، وخاصةً الإمارات، سيلًا من مديري صناديق التحوط والمصرفيين من جميع أنحاء العالم في السنوات القليلة الماضية، وذلك بفضل قوانينها الضريبية المرنة والتسهيلات المقدمة للأثرياء، كما أن دول الخليج بشكل عام لا تفرض ضرائب على الدخل الشخصي أو أرباح رأس المال أو الميراث أو الهدايا أو الممتلكات، وتتمتع أيضًا بأحد أدنى معدلات الضرائب على الشركات في العالم، فضلًا عن أن السكان في دول الخليج يتمتعون أيضًا بمستوى معيشة لائق بغض النظر عن الدخل، مع وجود خدمات صحية وتعليمية مجانية أو بتكاليف منخفضة، وفرص ترفيه وتسوق متنوعة، وانعدام معدلات المشرّدين والمتسولين، ما يجعل دول الخليج أفضل حتى من دول أوروبا المتقدمة، التي تواجه تحديات ديموغرافية عدة مع انخفاض معدلات الشباب والولادات وارتفاع معدلات كبار السن والوفيات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن خير برهان على ذلك أن دولا خليجية عدة تواجه حاليًّا نقصًا في الشقق والعقارات الفاخرة؛ بسبب ارتفاع الطلب عليها وبيعها بسرعة، فأصحاب الثروات يتدفقون بشكل كبير إلى دول الخليج للتمتع بالمميزات التي لا توفرها دول أخرى، ولعلّ أبرز ما يمكن أن يُذكر في هذا الشأن أن مجلس التعاون الخليجي أصبح رقمًا صعبًا على المستويات الإقليمية والعربية والدولية؛ لأنه ببساطة يحظى باحترام وتقدير عالميين، خاصةً أن الدول الست الأعضاء تسعى بكل ما أوتيت من قوة لأن تحقق الأهداف التي من أجلها كان إنشاء هذا الكيان الكبير والراسخ والذي ثبت دعائمه في منطقة تموج بالصراعات والحروب على مدى عقود طويلة.
ما نحتاجه بالفعل في البحرين هو التركيز أكثر على كبار المستثمرين القادرين على ضخ عشرات ومئات المليارات من الدولارات في اقتصادنا، ومعرفة احتياجاتهم الشخصية والأسرية ربما بشكل أدق من احتياجاتهم الاستثمارية والربحية، وتعريفهم أكثر بالانفتاح الحضاري والديني والاجتماعي في بلادنا، وتطوير بنية تحتية تحقق توقعاتهم في الإقامة والرفاهية.