“يا طالعين عالجبل” واحدة من أجمل أغاني التراث النسوي الشعبي الفلسطيني القديمة، ويقوم هذا الفن على “الموالاة” أو الترويدة”، أي ترديد بعض فقراتها عدة مرات، وهو نوع من الغناء الريفي الفلسطيني ذي إيقاع منغّم متمهل. ويُقال إنه كان يُؤدىٰ جماعياً بدون آلات موسيقية، لكن هذا الفلكلور الشعبي الجميل الذي في الأصل تردده النسوة ضمن أهازيجهن في مناسبات شعبية مختلفة (كالأعراس، أو أثناء حلب المواشي، أو عند تهيئة قوافل الجمال للأسفار الطويلة، وفي مناسبات دينية متعددة)، تمكنّ بعبقريتهن الإبداعية الفذة من إعادة تشكيل تلك الأغنية وتوظيفها على نحو بديع لخدمة النضال الوطني المقاوم للاحتلالات الأجنبية المتعاقبة لفلسطين العربية. ويرجع بعض الباحثين الفلسطينيين هذا التوظيف إلى عهد السيطرة العثمانية، فيما يرجعه البعض الآخر إلى زمن الاحتلال الإنجليزي (الانتداب)، ويتمثل هذا التوظيف من خلال تشفير بعض كلمات الأغنية بمعلومات سرية مهمة مرسلة من رجال المقاومة في الخارج إلى المناضلين المعتقلين في سجون الاحتلال، وذلك عند زيارة الأمهات والزوجات الفلسطينيات إلى أبنائهن أو أزواجهن المعتقلين في السجون العثمانية، ثم تواصل هذا الفن الشعبي المقاوم جيلاً وراء جيل على أيدي الأُمهات خلال فترة الانتداب، ثم توارثته بناتهن وحفيداتهن منذ زمن النكبة 1948 حتى ظهور المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً في أعقاب هزيمة 1967. ويتم التشفير من خلال إضافة حرف واحد لبعض كلمات الأغنية، كاللام، مع الحفاظ على الطابع التراثي لإيقاع الأغنية. واشتهرت الفنانة الراحلة ريم البنا، ابنة مدينة الناصرة، عاصمة الجليل، بتأدية هذه الأغنية.
ومن أروع ما شاهدته من أداء لهذه الأغنية الجميلة الرائعة الغناء المشترك للفنانتين الفلسطينية تيريزا سليمان والإسبانية صوفيا باللغتين العربية والإسبانية في رحلة بحرية جماعية مسائية على ظهر قارب حيث تظهران جالستين القرفصاء متقابلتين وهما تضربان إيقاع الأغنية بأيديهما على طريقة “الخبازة” في إعداد الطحين فوق طاولة أرضية قصيرة قبيل خبزه في التنور.
* كاتب بحريني