يؤمن الإسرائيليون بمقولة “العربي الغائب” أي الفلسطيني غير الموجود طبقا لمقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. هم لا يرون للفلسطينيين وجودا على الأرض التي يقومون باغتصابها منهم! وكانت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل السابقة تعيش حالة الإنكار التام هذه، وتصرخ: “أين هم الفلسطينيون.. أنا لا أراهم”. وقد عبر أحد المستوطنين عن هذه الحالة بتفصيل يكشف مدى إجرام العقلية الإسرائيلية: إن ظهور الفلسطيني ولو على شاشة تلفزيون، أمر يتحدى خريطتي الإدراكية، المفروض أنه غير موجود، وإن تجاسر وطالب بحقوقه أو تطبيق قرارات الأمم المتحدة على أرض إسرائيل أرض الميعاد اليهودية، فهذا دليل على جهله وتخلفه، ولابد من تلقينه درساً، وإن بدأ يتحرك نحوي أنا اليهودي صاحب الحقوق المطلقة لشعبي المختار فهذا يعني أنه إنسان مجنون وخطر لابد من القضاء عليه، الفلسطينيون لا يفهمون غير لغة القوة.
وهنا يجب أن تنطلق الصواريخ والمدافع والطائرات لتدميرهم وإبادتهم كما يحدث الآن في غزة والضفة لتتحقق فعلا مقولة أرض بلا شعب. هذه القسوة تكشف عن إحساس متجذر لدى الإسرائيلي بعدم الأمان مثل أي لص أو سارق يدرك أنه في لحظة ما سوف يتم ضبطه واقتياده إلى السجن حال فشله في الهروب خارج الوطن. حالة عدم الأمن يشعر بها كل إسرائيلي، وطبقا للدكتور عبدالوهاب المسيري فإن موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق قال في جنازة صديقه روي روتبرج الذي قتله الفدائيون الفلسطينيون: إننا جيل من المستوطنين لا نستطيع غرس شجرة أو بناء بيت دون الخوذة الحديدية والمدفع، علينا ألا نغمض عيوننا عن الحقد المشتعل في أفئدة مئات الآلاف من العرب حولنا، إنه خيار جيلنا أن نكون مستعدين ومسلحين، أن نكون أقوياء وقساة حتى لا يسقط السيف من قبضتنا وتنتهي الحياة. كلمة ديان بمثابة قاعدة أو نظرية يسير على هداها قادة إسرائيل بداية من بن جوريون المؤسس وانتهاء بنتنياهو المطلوب قضائيا.
لكن المدهش أن يأتي مؤرخ إسرائيلي هو يعقوب تالمون وينسف كل ذلك متحدثا عن عقم الانتصار بعد أن رأى الجيش الإسرائيلي ينتصر في حرب تلو الأخرى، لكنه لا يحقق شيئا، فالشعب الفلسطيني يرفض الاختفاء، والشعوب العربية لا تتوقف عن دعمه، والشعوب الإسلامية لا تزال متمسكة بالقدس وأرض فلسطين.
مدير تحرير “الأهرام”