العدد 5816
الإثنين 16 سبتمبر 2024
banner
عامان على استشهاد مهسا أميني 
الإثنين 16 سبتمبر 2024

يمر اليوم عامان على استشهاد الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني التي لفظت أنفاسها الأخيرة في المستشفى متأثرة بتداعيات العنف الذي مارسته شرطة الأخلاق الإيرانية بحقها أثناء اعتقالها؛ بذريعة عدم التزامها مواصفات الحجاب الشرعي الذي ترتديه، وهو ما فجّر أخطر انتفاضة سلمية نسائية إيرانية في ظل النظام الحالي،سيما في صفوف طالبات الجامعات في مختلف المدن الكبرى، علاوة على طالبات الثانوية، والتي استمرت ما يقرب ثلاثة شهور، سقط خلالها عدد من الشهداء من كلا الجنسين، فضلاً عن إعتقال الآلاف، وتعرض المئات منهم للتعذيب الوحشي.وعشية هذه الذكرى فرضت السلطات الإقامة الجبرية على عائلة الشهيدة ونشرت شرطة مكافحة الشغب في شتى المدن الكردية تحسباً من اندلاع احتجاجات جديدة في هذه الذكرى. 
وفي ذروة تلك الأحداث الخطيرة كتبنا بأن اسلوب القبضة الوحشية الذي تتبعه السلطة لإخماد الانتفاضة،لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية تفضي ليس إلى انتشار الحجاب بمواصفات "غير شرعية" فحسب، بل وإلى تحدي كثرة من الشابات الإيرانيات علانيةً للنظام بالظهور سافرات الشعر وبأزياء عصرية، مع احتفاظهن بالحد الأدنى من الاحتشام المقبول. وهذا ما حدث بالضبط خلال العامين الماضيين من مقتل أميني .وبوسعك أن تفتح اليوتيوب الآن لتشاهد كماً هائلاً من مقاطع فيدوات لفتيات سافرات الشعر- كاملاً أو جزئيا- يتجولن في الأسواق و " المولات" والشوارع العامة. أكثر من ذلك فإن تحديهن في هذا الصدد شمل حتى أكثر الأماكن قدسية، كما في مدينة "مشهد"، وهذا ما شاهده كاتب هذه السطور بأُم عينه خلال زيارة له للمدينة أواخر مايو الماضي.و قبل أيام  اعترفت جهة رسمية بأن الحجاب لم يعد قضية ذات أولوية تشغل هموم المواطن، بقدر ما تتصدر أولوياته همومه الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة طردياً عاماً إثر عام، حيث بلغ من يعانون الفقر 26 مليوناً،فيما بلغ من يعانون فقراً مدقعاً 5 ملايين مواطن ، وذلك حسب صحيفة "دنياي اقتصاد" بتاريخ  10 سبتمبر الفائت، بينما السلطة غارقة في الفساد والإنفاق العسكري الجنوني على جيشها وعلى ما يُسمى "قوى محور المقاومة" الذيلية لها. كما كشف استبيان نُشر مؤخراً وأشرفت عليه "وزارة الثقافة والإرشاد القومي" بأن 92 % من المواطنين غير راضين عن الوضع الراهن،  من بينهم 30% يرون بأن الوضع لم يعد قابلاً للإصلاح،فيما  نسبة من يرون الحجاب مسألة ذات أولوية لم تتجاوز 11%، وأحتلت قضية الحجاب نفسها الأولوية السادسة في سلم أولويات المواطنين. و في بلد متعدد القوميات والديانات والطوائف والثقافات ، أظهر استطلاع حكومي أُجري عام 2022 أن 90% من الشعب لا يرون ضرورة لفرض الحجاب بقوة القانون.والمؤسف أنه بالرغم من البُعد الحقوقي الواضح لاضطهاد المرأة الإيرانية ومصادرة أبسط حرياتها الشخصية،من خلال فرض مقاييس صارمة فيما ينبغي أن ترتديه وما لا ينبغي أن ترتديه، دع عنك مصادرة مجمل الحريات العامة المفروضة على كلا الجنسين، فإن نسبة غير قليلة من العرب المناصرين للقضية الفلسطينية يعدون قضية حرية وحقوق المرأة في إيران قضية هامشية، يمكن تأجيلها إلى أجل غير مسمى، وليس هذا توقيت إثارتها،لكي لا تأتي على حساب القضية الفلسطينية، ومن ثم لا ينبغي إعلان التضامن مع المرأة الإيرانية،في هذا التوقيت لأن من شأن ذلك أن يخدم إسرائيل وأميركا، باعتبار نظام الملالي نظاماً إسلامياً وطنياً مسانداً وداعماً عسكرياً "لمحور المقاومة".والأدهى من ذلك أن ثمة نساء في أقطارنا العربية يقدمن أنفسهن ناشطات من أجل حقوق المرأة، بل و يتطلعن لتضامن الحركات النسوية في العالم مع الحركات النسوية في بلدانهن لا يجدن غضاضة من تبني مثل هذا الموقف،فيما أكثرهن يتمتعن بكامل حريتهن الشخصية، على الأقل فيما يتعلق بحقهن في الزي الذي يخترن ارتدائه. فهل خطر ببالهن، ولو للحظة، ما عسى سيكون رد فعلهن لو كن يعشن تحت نظام يصادر أبسط حقوقهن، كهذا الحق، كما هو حال نساء إيران.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .