بفضل استخدام التقنيات الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي، تستطيع شركات التكنولوجيا القانونية تطوير الأدوات بشكل أكثر مرونة وتقديم مجموعة متنوعة من الخدمات. تستهدف أدواتهم الرقمية بشكل أساس القطاع الخاص والكيانات القانونية، بالإضافة إلى المهنيين مثل شركات المحاماة والمديرين التنفيذيين والشركات القانونية وشركات التأمين.
ظهرت التكنولوجيا القانونية في الولايات المتحدة في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث تم تطوير العديد من التطبيقات. من بين هذه التطبيقات، نجد “المحامين الآليين” و”روبوتات الدردشة القانونية”، التي تُستخدم بالفعل لتقديم معلومات قانونية للمتقاضين أو المتخصصين في المجال القانوني. على سبيل المثال، تم تقديم الذكاء الاصطناعي الخاص بشركة IBM Watson كأول “محامي آلي” قادر على إجراء عمليات بحث باستخدام اللغة الطبيعية.
تعمل التكنولوجيا القانونية على تقديم أدوات وخدمات جديدة تمامًا للمهنيين القانونيين في أوروبا، مثل تطوير أدوات تحليل السوابق القضائية الإحصائية المتقدمة التي تساعد في توقع نطاق المبالغ التي قد تمنحها المحاكم لبعض المنازعات المدنية أو التجارية. يمكن أن تؤدي هذه الابتكارات التكنولوجية إلى تغيير جذري في المجال القانوني وآلياته، حيث تساهم التكنولوجيا القانونية في تسريع العمليات القضائية وتسهيل اتخاذ القرارات، بالإضافة إلى تعزيز أو استبدال العمل البشري في بعض المهام المحددة. يتم ذلك من خلال الاستعانة بالمهنيين القانونيين لتصميم واستخدام أساليب مبتكرة تهدف إلى تحسين العمليات القانونية وأتمتة إدارة العقود.
يمكن لتلك التكنولوجيا أن توفر للقاضي جميع الأحكام السابقة التي أصدرتها المحاكم في قضايا مشابهة. بشكل أكثر دقة، في السيناريو التقليدي، يعتمد القاضي على معايير مثل الكلمات الرئيسة والنصوص للبحث في قاعدة البيانات واستخراج القضايا المشابهة للقضية التي يتعامل معها. بينما في السيناريو المدعوم بالذكاء الاصطناعي، يقوم البرنامج تلقائيًّا باستخراج القضايا ذات الصلة، ويقوم القاضي باختيار القضايا التي تهمه.
إن الذكاء الاصطناعي يسهم في تسريع وتحسين كفاءة عملية البحث عن المعلومات، إلا أن القاضي هو الشخص الوحيد الذي يتخذ القرار النهائي. وقد تم إجراء بعض التجارب لاستكشاف إمكانية استخدام البرمجيات لتخفيف بعض الأعباء الإدارية عبر الإنترنت، مثل نظام CAT-ODR التابع لمحكمة السلطة المشتركة في كندا، الذي تُعتبر أول محكمة إلكترونية تقدم عملية تسوية المنازعات من ثلاث مراحل: التفاوض، الوساطة، والفصل في النزاعات.
في أوروبا، تسعى وزارة العدل الإستونية إلى إيجاد حلول رقمية تهدف إلى تحسين وأتمتة إجراءات المحاكم، بما في ذلك اتخاذ القرارات. من بين أهداف المشروع هو تحويل “جميع القضايا المعروضة على المحكمة إلى صيغة رقمية، مما يعني عدم وجود ملفات ورقية أو إعداد ملفات إلكترونية غير ضرورية، مع تحسين وأتمتة العمليات قدر الإمكان”.
يمكن أن تؤثر أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي بعدة طرق، بدءًا من دعم المهنيين القانونيين والموظفين الإداريين في المجال القضائي، وصولًا إلى تعزيز عملية اتخاذ القرار في الهيئات التشريعية والإدارية. كما يشير تقرير لليونسكو إلى أن هذه الأنظمة يمكن أن تعزّز كفاءة ودقة المحامين في مجالي الاستشارة والتقاضي، مما يعود بالنفع على المحامين وعملائهم والمجتمع بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحسين الأنظمة البرمجية الحالية للقضاة من خلال دمج أدوات الذكاء الاصطناعي التي تساعدهم في صياغة قرارات جديدة.
إلا أن تأثيرات استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة قد تنعكس سلبًا على العديد من جوانب الحقوق الأساسية. على سبيل المثال، يشمل ذلك حظر التمييز، حماية البيانات الشخصية والخصوصية، قرينة البراءة، الحق في محاكمة عادلة، والحق في محكمة مستقلة ومحايدة. بالإضافة إلى ذلك، هناك مجموعة من المبادئ مثل مبدأ عدم التمييز والمساواة، مبدأ الشرعية، ومعايير الإثبات المعمول بها.
استنادًا على ما تقدّم، يمكن أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثيرات إيجابية في المجال القضائي، كما قد يتسبّب في بعض الأضرار. إن تأثيراته الكبيرة على حياة البشر تستدعي ضرورة تنظيم كيفية التعامل معه، لذا من المهم البدء بدراسة آفاق تطبيقه.