+A
A-

"السيد بنتلا وخادمة ماني" علاج حقيقي لما يجري حاليا في العالم

أشكر أستاذي الفنان المسرحي الكبير خليفة العريفي على إهدائه لي أعمال مختاره للكاتب المسرحي العظيم " بريخت" ومن ضمنها مسرحية" السيد بنتلا وخادمة ماني" التي وجدت فيها بعد القراءة علاج حقيقي بالنسبة لما يجري حاليا في العالم، فكل مؤلف مسرحي له وجهة نظر، وجهة نظر في كل شيء، ابتداء من جمال الطبيعة، إلى معالم المجتمع الذي يعيش فيه، إلى الصراع القائم بين فئات المجتمع الذي هو يعايشه ويعبر عنه، وهذا ما نقله " بريخت" في هذه المسرحية التي تحتاج إلى تفرغ تام لفهم جميع الحوارات وكأنك تخوض معركة مع الآخرين.

تدور قصة المسرحية في فنلندا في العقد الثالث من القرن العشرين.. والثيمة الاساسية فيها هي استحالة إزالة المسافة التي تفصل السيد عن التابع ، وتحليل كيان إنسان من أصحاب الارض وأرباب الأعمال ومقابلة هذا الكيان بالبساطة وصلابة النفس التي يتسم بها من حرمهم النظام الاجتماعي من كل ما يتمتع به أولئك.

وبديلا عن أن يسير بنا "بريخت" في دوائر من التجريد أو المناقشات الجافة ،استغل هذا التناقض الدائم بين السيد والتابع في خلق الكوميديا والتنويع الثرى جدا على نفس الفكرة الأساسية وحشد ألوان كثيرة من وسائل العرض المسرحي حتى يتجنب الجفاف وحتى يجعل المتفرج  متعلقا دائما بالأحداث.

ويشير "بريخت" إلى أن موضوع الهوة الخالدة بين السيد والتابع ليس جديدا على الإطلاق في دنيا الأدب ، ويؤكد أنه واع بهذا ولذلك لا يود أن يصبغ هذه الكوميديا بلون الأداء الذي عرف عن تشارلي تشابلن أو بعلاج تشابلن لنفس الموضوع. ويكرر بريخت في أكثر من موضوع أنه لا يتناول فكرة مجردة أي العلاقة ذاتها، وإنما نتأمل الكيان النفسي الذي تكون لدى السيد وأصبح من المستحيل أن يتغير إلا إذا أعيد خلق هذا الإنسان، وطبعا الكيان المقابل للتابع الذي يتمتع بقدرة أكبر على التمييز وبحكمة وصفاء ذهن نابعين من تأمله للمسافات التي أقامها النظام الاجتماعي بين أفراد البشر

: "بريخت" أبهرنا في المشهد الأخير حين يقف ماني وحيدا ويقول

"سيد وتابع، لن يكون ثمة هذان، حين يكون كل إنسان سيد نفسه"

هكذا في كل معاني " بريخت" يجب أن نتعمق، خاصة وان جملة المسرحية غير عادية، أو بالأحرى ان ما يقصده من تسمياته وعباراته يختلف كثيرا عن المألوف بالنسبة للمفهوم من هذه التسميات نفسها، كما فعل أيضا في مسرحية " شخص طيب من سيزوان" التي كتبت عنها قبل أيام، وكذلك مسرحية " حياة جاليليو " وتلك هي غاية التعبير المسرحي أن يكون إناء ينضح بما فيه ورمزا يدل على ما وراءه.