في بادرة إيجابية لا تخلو من الدلالات السياسية والدينية والاجتماعية، التقى قبل أيام قليلة السفير العراقي في لندن، السيد محمد جعفر محمد باقر الصدر (ابن المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر).. التقى بمكتبه في السفارة بوفد نسائي من رابطة المرأة العراقية، والذي سلمه مذكرة احتجاج على التعديلات المجحفة على قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، والتي يُراد تمريرها داخل البرلمان، حيث أبدى السفير تفهمه لمخاوف الوفد من التعديلات ووعده بإيصال المذكرة إلى الجهات المعنية في العراق. وفي الصورة التذكارية التي نشرتها صحيفة “طريق الشعب” العراقية، بدا السفير الصدر يتوسط عضوات الوفد الأربع وقوفاً، وهو ماسك مع إحداهن رسالة الاحتجاج، وهي موجهة إلى رئاسة البرلمان، ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية، وكذلك إلى: القضاء العراقي، وبعثات الأمم المتحدة ومكاتب حقوق الإنسان والمرأة داخل العراق وخارجه، وبعثات الاتحاد الأوروبي. ووقعت على الرسالة 14 منظمة، من بينها رابطة الأكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة، وتنسيقية التيار الديمقراطي في بريطانيا، ومنظمة المرأة الكردية والشرق أوسطية، ومنظمة بصيرة لحقوق المرأة الإنسانية، ومنظمة حقوق المرأة الإيرانية والكردية، ومن بين التعديلات السلبية التي تضمنتها الرسالة والمزمع إدخالها على القانون: السماح بعقد الزواج خارج المحكمة ودون شهود، ودون تسجيل العقد، كما تشرّع التعديلات الزواج من قاصرات من عمر التاسعة، بينما في قانون 1959 محدد بعمر 18 سنة، وتبيح التعديلات للرجل الحق في تعدد الزوجات دون شروط تضمن إيفاءه بحقوقهن، على خلاف قانون 1959. كما تأخذ الرسالة على التعديلات أنها تُغلّب الانقسام الطائفي على الهوية الوطنية المشتركة، وفق منظور ضيق يتعارض مع أحكام المادة (29) من الدستور. والجدير ذكره أن قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 هو من أفضل تشريعات الدول العربية التي تضمن الحدود الدُنيا الممكنة في إنصاف المرأة وحماية الأسرة من التفكك وضمان حقوق الطفل. ولم تتحقق هذه المكاسب على طبق من ذهب، بل قدمت الحركات النسوية والوطنية في سبيل انتزاعها تضحيات هائلة على مدى عقود طويلة.
على أن الإسلام السياسي الحركي لم يكن له في تلك العقود كل هذا النفوذ والتسلط الذي نشهده اليوم داخل المجتمع والدولة، سواء في العراق أم في العديد من الدول العربية، ما يتيح له النيل من حقوق المرأة والأسرة باسم الإسلام وفق قراءات ضيقة بعيدة عن جوهره سماحته الإنسانية. أكثر من ذلك فإن البرلمان العراقي الحالي، وإن عبّر شكلياً عن الشرعية الاسمية القانونية، إلا أنه أشبه بالبرلمان الانتقالي المؤقت لتصريف الأعمال، إذ هو يفتقر واقعاً إلى التوافق المجتمعي العريض المعبر عن أعرض الفئات الاجتماعية بكل تلاوينها السياسية والدينية والمذهبية والقومية، ومن ثم ليس من مسوغ أو حاجة آنية قصوى لتمرير التعديلات على جناح السرعة.
*كاتب بحريني