في صباح 6 يوليو 1948 وصل الملك فاروق ملك مصر والسودان إلى مدينة غزة في موكب حافل وسط “الزغاريد” والتصفيق والهتاف احتفالاً بالانتصار الذي حققته الجيوش العربية في الأسابيع الأولى من حرب 1948، ففي هذه الحرب بين العرب وإسرائيل تقدمت الجيوش العربية في أرض فلسطين وأحدثت انتصارا كبيرا عقب إعلان بريطانيا إنهاء الانتداب على فلسطين ومغادرة المندوب البريطاني لها منتصف ليلة 14 مايو، حيث دخل الجيش المصري إلى بلدة أسدود وأصبح على بعد 30 ميلا من تل أبيب كما وصلت قوات مصرية أخرى إلى الفالوجا على بعد 41 كيلومتر من يافا، وسيطر الجيش الأردني على الضفة الغربية بما فيها القدس، وتولت قوات فلسطينية محاصرة القدس الغربية ذات الأغلبية اليهودية، فيما وصل الجيش العراقي على بعد 12 كيلومتر من حدود تل أبيب، وسيطر الجيش اللبناني على الجليل الغربي حتى الناصرة، وقام الجيش السوري بالسيطرة على جنوب بحيرة طبريا، وشهدت هذه الحرب بطولات لجنود سعوديين وسودانيين.
لكن قبل أن يتم إعلان النصر النهائي للقوات العربية والقضاء على المشروع الصهيوني، أصدر مجلس الأمن قرارا يوم 29 مايو بوقف الحرب، وعدم إرسال أسلحة إلى المتحاربين في فلسطين، وبالفعل تم إيقاف الحرب يوم 11 يونيو 1948 ودخل عدد من المراقبين الأميركيين لمراقبة تنفيذ قرار مجلس الأمن مع سريان الهدنة لمدة أربعة أسابيع. كان الهدف من الهدنة أن تستعيد إسرائيل توازنها بعد تزويدها بالسلاح. ففي الوقت الذي التزمت فيه الدول العربية بعدم إرسال أسلحة إلى فلسطين إيمانا بقدرتها على تحقيق النصر، عملت الدول الغربية على إمداد إسرائيل بالسلاح والرجال أيضا، وتدفق أصحاب الخبرات العسكرية لإنقاذ المشروع الاستعماري الغربي من الانهيار، وجاءت الأسلحة الثقيلة والطائرات من تشيكوسلوفاكيا. وظهر جلياً أن الهدنة مجرد فاصل قصير تستعيد خلاله إسرائيل زمام المبادرة بعد إمدادها بالأسلحة.
وحين عادت العمليات العسكرية بعد انتهاء الهدنة تغير ميزان المعركة لصالح إسرائيل، وسيطرت قوات الهاجاناه الصهيونية على مدن الناصرة والجليل واللد والرملة وقرى من مدينة القدس. فالاستعمار الغربي كان يخطط منذ إعلان انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين لزراعة إسرائيل كجسد دخيل في قلب البلاد العربية يؤرق ليلها ونهارها ويفقدها كل أمل في الوحدة والتقدم الحضاري.
تبقى الإشارة إلى أن حكاية الأسلحة الفاسدة التي قيل إنها السبب في هزيمة حرب عام 1948 مجرد إشاعة، وذكر اللواء عبدالمنعم خليل في كتابه حروب مصر المعاصرة أن أسلحة جديدة وصلت لتجربتها في مدرسة المشاة بالماظة، لكن للأسف الشديد انفجر منها مدفع هاون 81 مم في طاقم التجارب أصاب بعض الضباط إصابات بالغة. وبعدها مباشرة انتشرت شائعة الأسلحة الفاسدة التي أرسلها الملك فاروق للجيش وكان هذا غير حقيقي.
مدير تحرير “الأهرام”