يومًا بعد يوم، أصبحت ظاهرة القرصنة الإلكترونية تتطور بوتيرة سريعة ومخيفة لتصبح أكثر من مجرد عملية انتهاك للبيانات، بل تحولت إلى نوعٍ من الأعمال التجارية المربحة، ففي عالم يعتمد اعتمادًا تامًا على التكنولوجيا، أصبحت البيانات الرقمية لا تقل قيمة عن الذهب، فقد أصبحت الجرائم الإلكترونية والأنشطة الإجرامية التي تتم عبر الإنترنت أو تستهدف الأنظمة الحاسوبية والشبكات الإلكترونية، تشمل مجموعة واسعة من الأنشطة التي تستهدف البيانات والمعلومات الرقمية ذات القيمة، وتتضمن الاحتيال الإلكتروني، وبرامج الفدية الضارة، والاختراقات السيبرانية، وسرقة الهوية، والابتزاز الإلكتروني، وتوزيع البرمجيات الخبيثة، والتجسس الإلكتروني، وغيرها الكثير.
وكما نعلم جميعًا، لم تعد عمليات القرصنة اليوم تقتصر على الاختراقات العشوائية، بل تمتد إلى تحويل البيانات المسروقة إلى عملية تجارية وأرباح محتملة، وأذكر هنا قصة أحدهم التي رواها لي عن تعرضه لعملية قرصنة لبيانات نشاطه التجاري الذي يسترزق منه قوت يومه له ولعائلته، ليجد بياناته مشفرة بالكامل ورهينة لمبالغ مالية تحت تهديد فقدانها، فتواصل مع الشخص الذي سرق بياناته وأخبره أن بياناته مهمة لقيام واستمرار عمله التجاري الذي يعيش عليه، فطلب منه المجرم أن يدفع له الفدية بالعملات المشفرة مقابل إعادة الوصول إلى ملفاته، وعندما سأل الضحية كيف يمكنه ضمان حسن نيتهم بالسماح له بالوصول إلى بياناته بعد الدفع؟ فأخبره القرصان أنه من شركة كبيرة ومعروفة ولديهم الكثير من العملاء الذين تعاملوا معهم سابقًا، ويمكنه أيضًا أن يزوده بقائمة من العملاء في نفس دولته ليتأكد بنفسه ولا يشك في مصداقيتهم.
وفي الواقع، هذا السيناريو المقلق يكشف لنا عن حقيقة مرعبة؛ وهي أن عمليات القرصنة الإلكترونية أصبحت تُدار كأعمال تجارية منظمة على المكشوف، حيث يستهدف القراصنة الأفراد والشركات من مختلف القطاعات بحثًا عن فدية مربحة، وما يزيد الأمر سوءًا هو أن هؤلاء المجرمين يتمتعون بخبرات فنية عالية وأساليب متطورة واحترافية تجعل من الصعب التصدي لهم، خاصةً في عالم اليوم المترابط رقميًا، فقد بات القراصنة يستهدفون الأفراد والشركات على حد سواء، مدركين أن امتلاك البيانات الخاصة والملفات الحرجة يمكن أن يدر عليهم أرباحًا طائلة.
لذلك فإن مواجهة هذه الظاهرة المقلقة تتطلب جهودًا مشتركة من الحكومات والشركات والأفراد وحملات توعوية مكثفة لحماية الجميع ومكافحة هذه الظاهرة والحد من تأثيراتها الضارة، فالأمن الرقمي لم يعد ترفًا اليوم بل ضرورة ملحة في هذا العصر، كما تشكل هذه الجرائم تهديدًا خطيرًا على الأمن الإلكتروني والخصوصية الشخصية والاقتصاد الرقمي، وأدعو الجميع إلى إدراك خطورة هذه الظاهرة والتحصن بأمان سيبراني عالي قابل لصد الهجمات المختلفة، والإلمام بطرق الاختراق الشائعة التي يستخدمها القراصنة لعدم الوقوع ضحية لمحترفي الاحتيال كي لا يتم استغلالهم أو سلب أموالهم أو بياناتهم بالإكراه.