أثناء إلقاء نتنياهو خطابه في الكونغرس الأميركي الأربعاء الماضي، كانت النائبة من أصل فلسطيني رشيدة طليب ترفع صورة لنتنياهو مكتوبا عليها “مجرم حرب”، وعلى الجانب الآخر “مذنب بارتكاب جرائم إبادة جماعية”. وبدا للعيان أن حال النائبة في الكونغرس رشيدة طليب وهي محامية في منتصف العقد الرابع من عمرها هو نفسه حال القضية الفلسطينية، صوتها ضعيف واعتراضها مهذب في مواجهة صخب التصفيق وسيل أكاذيب يطلقها نتنياهو ليصفق أعضاء الكونغرس وقوفا، تكررت الأكاذيب وتكرر التصفيق 81 مرة في كلمة استغرقت 52 دقيقة، ما يعنى مقاطعة كلمة نتنياهو كل 40 ثانية من أجل التصفيق والصفير الحاد أيضا.
هنا لا معنى لأسئلة من نوع لماذا؟ وكيف؟ ولا أهمية للبحث عن معاني الضمير والأخلاق والشرف والصدق والإنسانية، كل هذه المعاني دهسها أعضاء الكونغرس وهم يصفقون لرئيس وزراء قام بقتل 40 ألف إنسان وتشريد شعب كامل انتقاما من حركة استقلال تسعى إلى تحرير وطنها من الاحتلال! كل لحظة تصفيق كانت صفعة للإنسانية ومبادئ الأخلاق والقانون، وركلا لشعارات الحرية والمساواة التي يطلقها العقل الغربي متباهيا بحضارته وإنسانيته المفرطة. 81 صفعة وجهها الكونغرس إلى محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن والأمم المتحدة وكل المؤسسات التي تدعي صيانة الحقوق والقواعد بين الدول. إذا كان القانون الدولي ضروريا للحفاظ على استقلال الدول وحماية سيادتها ضد من يهددون الحضارة الإنسانية والسلم الاجتماعي، فإن الكونغرس صفق بحرارة لانتهاك القانون على يد إسرائيل. نعلم جميعا أن المراوغة والكذب رافقت كتابة التاريخ عبر الزمن وأوجدت مخزونا ضخماً من المعارف والرؤى المزيفة، لكننا شهدنا اليوم كيف يتم تسويق الكذب والخداع على الهواء مباشرة إلى كل أركان المعمورة، وكيف تتم صناعة أسطورة لقاتل على حساب شعب أعزل.
فى القرن الماضي كتب أديب اسحق:
“قتل امرئ في غابة، جريمة لا تغتفر... وقتل شعب كامل، مسألة فيها نظر”. هذا كان في الماضي، الآن قتل شعب كامل بطولة يصفقون لها وقوفاً في الكونغرس 81 مرة! هذا نوع جديد من التصفيق الصفيق وهو اختراع أميركى بامتياز لا يقدر عليه إلا الكاوبوي رعاة البقر.
مدير تحرير “الأهرام”