عندما حدث الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 قام المفكر الفرنسي روجيه جارودي مع آخرين بنشر إعلان مدفوع الأجر على صفحة كاملة في صحيفة لوموند يندد فيه بالمذبحة في جنوب لبنان، واصفاً الاعتداء الإسرائيلي بأنه خطوة محسوبة في إطار السياسة التوسعية للصهيونية. نشر جارودي هذا الإعلان لأنه لا يستطيع التعبير عن رأيه ذاك في مقال بالصحف الفرنسية الخاضعة لسيطرة اللوبي اليهودي بما يجعلها إلى الآن تتقيد بالخط المناصر لإسرائيل في تفسيرها للأحداث، فهي تصف ما يقوم به الفلسطينيون من أجل تحرير بلادهم بأنه عمليات وترويع للمدنيين، أما ما تقوم به إسرائيل من إبادة وتهجير للفلسطينيين عمليات عسكرية للقضاء على حركة حماس الإرهابية!
التغطية الإعلامية المنحازة إلى إسرائيل ظاهرة للعيان في الصحف والقنوات التلفزيونية والبرامج الحوارية، لكن الأمر لا يتوقف على ذلك فقط، هناك ما هو أشد وأقسى، فدولة ألمانيا مثلا جعلت الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود شرطا للحصول على الجنسية الألمانية! ومنذ أيام أصبح “البطيخ” متهما بمعاداة السامية في برلين، وذلك أن مجلس النواب الألماني أجرى تصويتا يحظر المثلث الأحمر من العلم الفلسطيني، وهو العلامة التي باتت منتشرة في المظاهرات بالجامعات الأميركية والأوروبية، لذلك اعتبر البرلمان الألماني علامة مثلث البطيخ جريمة، وطالب ممثلوا الأحزاب الكبيرة عدا أحزاب اليسار والخضر بحظر دخول البطيخ إلى البرلمان! كما دعا مجلس النواب إلى إقرار حظر المثلث الأحمر في جميع أنحاء البلاد لأنه يمثل تهديداً للشعب الألماني ويجب معاقبة من يستخدمه، فأي عبث سياسي هذا؟!
خلال الأيام الماضية أيضا أصدرت بعض الولايات الأميركية قانونا يقضي بمعاقبة كل من ينتقد إسرائيل أو رموزها السياسية، دفع اللوبي الصهيوني بهذا القانون حتى يحد من الانتقادات التي تتعرض لها إسرائيل جراء حربها البربرية على غزة. وإذا كان الدستور الأميركي أعطى المواطن الأميركي حق انتقاد الرئيس وكبار المسؤولين فإن هذا القانون العجيب جاء يسلب هذا الحق إذا تعلق الأمر بإسرائيل.
هذه الأمثلة وغيرها الكثير تكشف لنا كيف أحكمت الصهيونية العالمية سيطرتها على وسائل الإعلام وصناع القرار في الدول الكبرى، ما يجعل إسرائيل تقوم بأفدح جرائم القتل والإبادة دون أن يساورها أي شعور بالقلق، هي تدرك أنها في منطقة آمنة تماماً لا تخشى القانون الدولي وما يفرضه على الآخرين من عقاب أو حصار، وحتى قرارات محكمة العدل الدولية التي صدرت ضدها هي قرارات استشارية لا يمكن فرضها دون قرار من مجلس الأمن الذي سيصطدم بالفيتو الأميركي.. فأي عبث هذا؟!.
مدير تحرير “الأهرام”