خلال الحرب العالمية الأولى كانت تركيا تحارب إلى جانب ألمانيا ضد إنجلترا وفرنسا، وأرادت إنجلترا أن تضرب تركيا في مستعمراتها عن طريق الخديعة، وعدت العرب بالاستقلال إذا قاموا بالثورة ضد الأتراك، وطبقاً للمراسلات العشر الشهيرة بين الشريف حسين أمير الحجاز والسير مكماهون المندوب السامي البريطاني في مصر، والتي عرفت باسم “حسين مكماهون” تم الاتفاق على أن يقوم العرب بثورة ضد الأتراك يقودها الشريف حسين في الحجاز وابنه الملك فيصل في سوريا والشام، في نفس الوقت تقوم الجيوش الإنجليزية بمهاجمة سوريا، فتصبح الجيوش التركية بين نارين، الثورة الشعبية وهجوم الإنجليز العسكري. كان الاتفاق أن تعود الجيوش الإنجليزية بعد الحرب من حيث جاءت، وأن تتمتع البلاد العربية بالاستقلال تحت قيادة الشريف حسين. في تلك الفترة كانت العراق وسوريا الكبرى إضافة إلى الحجاز إمارات خاضعة للعثمانيين، وكانت المقاومة الوطنية تقوم بين حين وآخر بعمليات ضد كل من الإنجليز في مصر، والفرنسيين في تونس والجزائر والمغرب. الشاهد أن الثورة العربية اندلعت سنة 1916 وتم طرد الجيوش التركية بعد زحف الجيوش العربية إلى سوريا، وكذلك وصول الجيوش الإنجليزية بقيادة اللورد اللمبي بعد اختراقها سيناء. انتصر الحلفاء ودخل الإنجليز الشام وفلسطين بمساعدة العرب، وانتظر العرب الجائزة أو الوعد لكنهم فوجئوا بالخديعة الكبرى اتفاقية سايكس بيكو بين إنجلترا وفرنسا التي تقضي باقتسام البلاد العربية بينهما بعد انتهاء الحرب، كما تحول الوعد باستقلال العرب إلى وعد بوطن قومي لليهود على حساب العرب طبقا لوعد بلفور المشؤوم عام 1917.
مرت السنون وحصل العرب على الاستقلال لكن ذلك لم يقلل الخيانات، عمد الاستعمار قبيل الرحيل على زرع الفتنة بين الأقليات الدينية والعرقية داخل الوطن الواحد، كما أجج الصراعات بين الدول العربية.
فلا تقوم بينهم وحدة أبدا، ثم انتقل إلى مرحلة تفتيت الأوطان وإشعالها بالحروب الأهلية في العراق وسوريا والسودان واليمن وليبيا.. الخيانات لا تتوقف ونحن لا نتعلم الدرس أبدا. لكن يجب ملاحظة أن تراجعنا المتزايد حضاريا وعلميا وتكنولوجيا لا يعود إلى الاستعمار ومؤامراته فقط، فنحن هزمنا أنفسنا حين سلمنا مقاليدنا إلى الآخرين وانتظرنا الحلول، وهو ما يعني التسليم بضعفنا وهزيمتنا قبل أن يهزمنا العدو.
مدير تحرير “الأهرام”