لعل المفاجأة الدرامية الأبرز في الأيام الأخيرة كان مسلسل “خيوط المعازيب” الذي حصد نسبة مشاهدة كبيرة لدى المشاهد الخليجي عموما والسعودي تحديدا، خصوصا أن المسلسل لم يحظ بحملة ترويجية دعائية كغيره من المسلسلات. ويشكل هذا المسلسل نقلة نوعية جادة ومحترمة في الدراما السعودية، وقدم وجبة دسمة مكثفة ومركزة للثقافة والتراث الثري في منطقة الأحساء، وذلك في حقبة تاريخية سبقت مرحلة النفط وفي بداياتها بعد ذلك.
وقد توفرت لهذا المسلسل أدوات مهمة للنجاح، أهمها الصرف على تفاصيل العمل من تجهيزات ديكور وملابس وسيارات ومعدات تطابق المرحلة الزمنية، وأيضا لا يمكن إغفال حسن اختيار الممثلين والاهتمام بتقديم المجتمع الحساوي على حقيقته البسيطة الجميلة، وتم فيها إبراز اللهجة المميزة والتعايش بين أطياف المجتمع وتنوع الملابس والطعام والأهازيج والألعاب، بالإضافة لإبراز أدوار التجار والحرفيين والمزارعين العاملين في زراعة النخل والعاملين في الصيد البحري وانعكاس ذلك على العلاقات الاجتماعية والأسرية.  بنى المسلسل سرديته على وقائع تاريخية قدمها إبداع فريق ورشة العمل الكتابية التي اعتمدها الفريق الإنتاجي للعمل وأثبتت نجاحها الكبير، وساهم في نجاح المسلسل الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة والصغيرة لكي تعكس بشكل حقيقي وقائع الحياة في الأحساء في حقبة زمنية معينة، وقدم المسلسل نماذج مختلفة من الشخصيات في مجتمع حيوي خاص وفيه انسيابية العلاقات مع دول أخرى كالبحرين والكويت والعراق والهند لإبراز دور هذه الدول في علاقاتها التجارية مع منطقة الأحساء عبر التاريخ. 
السعودية بلد كبير ليس فقط في حجمه، لكنه أيضا متنوع بثقافاته وعاداته ولهجاته وملابسه وأكلاته وأهازيجه، وبالتالي هناك مادة ثرية لصناع الدراما وورش الكتابة فيها لتقديم مادة تنفتح على هذا الثراء والتنوع لإعداد وجبة ثرية وممتعة ومثيرة ومفيدة تلقى الإعجاب والتقدير وتحقق فكرة الترفيه بشكل جميل.  الأعمال الدرامية الناجحة والمميزة لا تأتي من فراغ، بل حصاد البحث عن فكرة مختلفة وتقديمها بشكل مبدع فيه اهتمام بتفاصيل المسائل كلها وهو ما نجح فيه مسلسل “خيوط المعازيب”، بدءا من شارة المسلسل مرورا بكل صغائر التفاصيل.
* كاتب وإعلامي سعودي