العدد 5619
الأحد 03 مارس 2024
الخيال.. والاستبدال!
الأحد 03 مارس 2024

لم يكن الموسيقار المصري الشهير محمد عبدالوهاب على خطأ حينما غنى “مسافر زاده الخيال” وكذلك حينما غنى “يا زهرة في خيالي”، فهو في تلك الكلمات يدرك ببساطة شديدة قيمة الخيال. وهي قيمة كان أول من أدركها وكتب عنها بتوسع الفيلسوف الصوفي الأشهر محي الدين ابن عربي، وهي المسألة التي تعرض إليها بتوسع المستشرق الفرنسي الكبير هنري كوربين في كتابه المعروف “الخيال الخلاق في تصوف ابن عربي”، ولقيت هذه المسألة اهتماما من نوع آخر تماما وذلك بعد عقود طويلة من الزمن وتحديدا في عالم الأعمال وبعض الشركات المؤثرة فيه. فقد أقدمت شركة “ثري أم” الأميركية، وهي إحدى الشركات المهمة والعريقة، بتأسيس قسم متخصص للابتكار المختلف اختارت له اسم “ايميشن”، وهي كلمة مستحدثة من خليط لكلمتي الخيال والإبداع. ثم جاءت بعدها شركة ديزني العملاقة، وهي المتخصصة في الترفيه والإنتاج بشتى أنواعه، فاستحدثت قسما ضخما باسم “الخيال” الهدف الأساسي له هو الذهاب بالإبداع إلى أقصى درجات الخيال.
لكن من يتابع ما يحصل في عالم التقنية وتحديدا على منصات التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها لا يملك إلا أن يصاب بالقلق والخوف والريبة، وذلك بعد أن يتخطى مرحلة الدهشة. فالخيال يجري تسميمه بما يسمى بالذكاء الاصطناعي، فالخوارزميات لم تعد تترك للخيال مكانا، فهي تستحضر المواد التي تهم المتصفح وتلاحقه وتحاصره، وتستبدل أشكالا وصورا وأصواتا في مواد درامية وغنائية وشخصية فتختفي الحقيقة وتستبدل بزيف واحتيال لا علاقة له بالخيال. وطبعا مع عدم إغفال عالم الميتافيرس المتنامي والذي يفرض بهدوء عالما آخرا موازيا في كل تفاصيله، لكن لا مكان فيه للخيال. إن ما حصل ويحصل بشكل مقنن وممنهج هو سلب القدرة على الخيال، وهي إحدى الهبات الإلهية للإنسان، سلبها من الإنسان وتجييرها لمنظومة آلية مصطنعة ومتحكم فيها تماما وهذه خسارة فادحة ولا شك. الخيال هو شرارة الإبداعات الإنسانية عبر الزمان، وأي تدخل للتحكم فيه “لعب” خطير في النخاع الشوكي لإحدى أهم عناصر التميز البشري.
* كاتب وإعلامي سعودي

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .