اليوم التالي لانتهاء الحرب في غزة سواء انتهت اليوم أو بعد شهر أو سنة هو ما يشغل المحللين ومراكز الأبحاث والهيئات الدولية، ويشغل الإسرائيليين أيضا رغم ما يقومون به من عمليات إبادة وقتل وتدمير لغزة وأهلها انتقاما من الضربة القاسية التي وجهتها حماس في السابع من أكتوبر الماضي. سواء نجحت إسرائيل في القضاء على حماس - وهو شيء يكاد يكون مستحيلا - أو لم تنجح وهو الشيء الأكيد، يبقى السؤال الصعب: كيف لا يتكرر ما حدث في ٧ اكتوبر؟
إسرائيل من جانبها حاولت الإجابة بطريقتها البربرية، اقنعت القيادة الأميركية بأنها تستطيع تدمير حماس وإعادة الأسرى بعمل عسكري واسع، وهنا قامت أميركا بفرض الحماية الدولية والعسكرية، فلا يصدر قرار من مجلس الأمن بإدانة إسرائيل أو يطالبها بوقف الحرب، كما أن حاملات الطائرات الأميركية في البحر المتوسط قامت بالرسالة العسكرية البليغة لمن يفكر في مساعدة حماس.. وبالفعل أصيب العالم بالخرس فيما وقف المناصرون للقضية بالسلاح يشاهدون المذبحة في صمت مؤلم على الأغلب! لإسرائيل أن تفعل ما تشاء، لكن بعد ٤٧ يوما من قتل البشر والشجر والحجر، وتدمير كل شيء حتى المدارس والمستشفيات، ووصول عدد الشهداء إلى أكثر من ١٥ ألف شهيد بينهم خمسة آلاف طفل، وكل ذلك في ظل حصار قاس فلا طعام، ولا كهرباء، ولا دواء، ولا ماء للقطاع المحاصر منذ سنوات أيضا، ورغم هذه الوقائع التي يعجز عنها الخيال السينمائي، لم تنجح إسرائيل في تدمير حماس ولا إعادة الأسرى، واضطرت أن تقبل المفاوضات والشروط التي وضعتها حماس من البداية لتبادل الأسرى. رضخت إسرائيل للضغوط الدولية وقبلت بالهدنة لمدة أربعة أيام، لأنها لم تحقق أية نتائج عسكرية تعيد الأسرى إلى ذويهم، كما أن عملياتها العسكرية أدت إلى مقتل ٦٠ من أسراها.
مع حدوث الهدنة تجدد السؤال عن اليوم التالي لإنهاء الحرب.. ثم السؤال الأهم: كيف لا يتكرر ما حدث في ٧ أكتوبر؟
الإجابة البديهية البسيطة يقول بها العالم، عربى وأجنبي: إقامة الدولة الفلسطينية لينتهي أطول احتلال ويتوقف الصراع أو على الأقل يتم تبريده إلى أقصى درجة ممكنة. دون ذلك لا حل حتى لو تم القضاء على حماس فلن يمنع ذلك تكرار ما حدث في ٧ أكتوبر.
وبالرجوع إلى الوراء قليلا نتذكر أنه عقب إجماع القادة العرب في قمة عربية عام ١٩٧٤ بأن تكون منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وقف الزعيم ياسر عرفات في الأمم المتحدة وقال: "لا تتركوا غصن الزيتون يقع من يدي لأنه لن يتبقى إلا البندقية". بعد سنوات وسنوات من مؤتمرات السلام ودعاته، غاب السلام وحضرت البندقية التي حذر منها عرفات، عرفات لم يكن يعلم أن البندقية ستأتي من غريمته حماس التي شجعها نتنياهو نكاية في منظمة التحرير، فما أعجب من تصاريف القدر غير مكر التاريخ!
الآن ليس أمام إسرائيل من حل غير الاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى لو كانت ضعيفة في الضفة، انهكها الاحتلال والآن يتهمها بالوهن.
إسرائيل ستعارض هذا الحل بكل صلف، لأنه يعني نجاح حماس وانتصارها، وهي بالفعل نجحت وجعلت القضية في بؤرة اهتمام العالم. لكن الحقيقة أيضا أنه ليس انتصار حماس، إنما انتصار الشعب الفلسطيني الذي يتشبث بأرضه وتراب وطنه، ويكتب كل يوم أروع الأمثلة في الصمود والتحدي، حماس ليست إلا عود ثقاب أشعل النيران في عيدان الحطب المنتصبة بقوة جاهزة للاشتعال طوال الوقت.
كاتب مصري ومساعد رئيس تحرير صحيفة الأهرام