يبدو أنه لا شيء يحدث في غزة، لا قتل، لا تدمير، لا جثث، لا أشلاء، لا شيء يحدث هناك، وأن ما نراه فيلم مثير، يغضبنا، يضايقنا لحظة المشاهدة ثم لا شيء بعد ذلك، بل وسئمنا من المشاهدة، كل يوم نفس القتلى ونفس الموتى ونفس التدمير، نفس القنابل والبنادق والصواريخ والدبابات حتى وصل القتلى أو الشهداء إلى أكثر من ١٢ ألف شهيد. المشاهد أصبحت عادية! لا تفاجئ الضمير الإنساني الميت! توقف العالم عن المتابعة إلا بيانات قليلة تقوم بعملية تكفين الأحداث، تحمل كلاما عاديا يشبه الموت العادي في القطاع.
يبدو أنه لا شيء يحدث في غزة ومجلس الأمن اجتمع أكثر من مرة لكنه لم ير شيئا مما يحدث هناك يستدعي قرارا بإيقاف الحرب فورا، لتتوقف آلة الموت، كل ما استطاعوا فعله كان عن "هدن إنسانية" لم يحترمها القتلة إطلاقا. إنها جزء من الفيلم أي محاولة ردع الشرير الذي لا يرتدع أبدا، المخرج والممثلون يعلمون ذلك ونحن نستمر في المشاهدة. في بداية المقتلة كان العالم يتحرك قلقاً، يروح السياسيون ويجيئون، اجتماعات وزيارات وقمم، لم تتمخض عن شيء لكنهم كانوا يتحركون! بعد ٤٣ يوما من المجازر المستعرة يوميا في غزة، يبدو الأمر وكان لا شيء هناك. قتل المدنيين والأطفال والعجائز، وتدمير المباني والمساجد والكنائس لا يعني شيئا، أما ضرب المستشفيات بالقنابل وضرب مدارس الأونروا بالصواريخ وقتل المرضى والأطفال حديثي الولادة والمدنيين المتحصنين بالمدارس، فلا يعني شيئا أيضا! إنه خيال مريض يفعل بنا ذلك بينما الحقيقة لا شيء هناك.. المجازر ليست حقيقية، القتل ليس حقيقيا، الأشلاء، الجثث، كل شيء ليس حقيقيا، ونحن أيضا لسنا حقيقيين، وإلا ما تركنا كل هذه الجرائم تحدث أمام أعيننا بالليل والنهار دون أن تهتز ضمائرنا بقرار أممى يعبر عن أدنى المشاعر الإنسانية لبشر يعيشون فوق هذا الكوكب، يرفضون القتل والتدمير لإخوانهم من بني البشر.
لن نتحدث عن تحرير الأوطان وحقوق الإنسان والعيش بكرامة وحرية، فأصحاب هذه الشعارات دخلوا إلى الفيلم وأصبحوا مخرجين وممثلين ومنتجين، الجميع يشارك في أعمال القتل، كل حسب الدور المرسوم، هناك المخرج العالمي، وكاتب السيناريو، ومؤلف القصة، والمصور، هناك البطل الطيب الضعيف، والشرير الذي لا يهزم إلا في نهاية الفيلم، الجميع يشارك في المقتلة باحترافية وقذارة يحسدهم عليها الشيطان نفسه! يا لبراعتهم.. إنها تصيب أصحاب الضمائر الحية بالتقزز.. ياه.. هل هناك ضمائر مازالت حية أيضا؟ نعم.
أنت تبالغ؟ لا.. لا أبالغ، لأنه لابد للقتل من نهاية، ولابد أن ينهزم الشرير أيضا حتى في نهاية الفيلم.
كاتب مصري