أما المومس الفاضلة فهو عنوان المسرحية التي كتبها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر عام 1946، وتدور حول فتاة ليل تدعى ليزي شاء حظها أن تكون الشاهدة الوحيدة في واقعة تعدي شاب أبيض أميركي على فتاة داخل قطار واغتصابها، الموقف الصعب حدث لفتاة الليل بعد توجيه المحكمة التهمة إلى رجل أميركي أسود من أصل أفريقي، حيث تعرضت المومس الفاضلة بحسب سارتر إلى ضغوط شديدة من قبل والد الشاب الأبيض الذي يعمل سيناتورا في مجلس النواب لتشهد ضد الشاب الأسود في المحكمة. هنا تكون المفارقة التي يقولها سارتر بكل صراحة: ان المرأة المومس رغم أنها تمارس الرذيلة لديها ضمير لا يقبل الظلم، لذلك ترفض هذه الشهادة التي قد تقود إنسانا بريئا إلى الإعدام وتصمم على الرفض. فيهددها السيناتور الأميركي بالقبض عليها بتهمة البغاء، مذكرا إياها بأصوله الأميركية البيضاء وأجداده الذين أبادوا الهنود الحمر وأسسوا على جثثهم أميركا. سارتر يغوص ويحلل طريقة تفكير العقلية الأميركية التي تقوم على الإبادة، منتقدا هذا العقل الذي يكيل بمكيالين بما يجعل من فتاة ليل إنسانة فاضلة لأنها ترفض الشهادة الكاذبة ضد إنسان بريء، فهي بالتأكيد أفضل من هذا الأميركي ودولته العظمى التي تتعامل مع دول العالم كما تعامل السيناتور مع فتاة الليل!
قد يقول البعض إن هذه قصة خيالية أراد سارتر أن ينتقد من خلالها الشخصية الأميركية، لكن الحقيقة الصادمة أن سارتر استوحى هذه المسرحية من قصة حقيقية مشابهة حدثت في أميركا مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، وأثارت جدلا كبيرا في المجتمع الأميركي، فقد اتهمت سيدتان أميركيتان تسعة مراهقين أميركيين سود من أصول أفريقية باغتصابهما، وصدر الحكم على ثمانية بالإعدام والسجن 75 عاما، ولم تكن المحاكمة عادلة، حيث لم يوقع أي كشف طبي على السيدتين لمعرفة حقيقة التهمة، ما أثار غضب الرأي العام، وأعيدت المحاكمة واستطاع الدفاع أن يمنع تنفيذ حكم الإعدام بعد أن تراجعت إحدى السيدتين عن شهادتها. هذه المسرحية وتلك الحادثة تكشفان أن أول ما يفكر فيه العقل الأميركي عند حدوث جريمة ما.. البحث عن متهم يحكم عليه بالإعدام بينما يظل المجرم الحقيقي حرا طليقا.
وإذا نظرنا إلى ما يحدث في غزة نجد نتنياهو يرتكب كل يوم جرائم حرب، ودولته تقتل وتدمر وتبيد الفلسطينيين بينما أميركا توجه الاتهام إلى حماس، العالم يبكي ويتألم لمشاهد القتل والدمار للأطفال والمرضى والمسنين، وأميركا تقول يجب القضاء على حماس. نتنياهو يقتل الفلسطينيين ويدمر المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس بالليل والنهار، فيما أميركا تقف أمام العالم تمنع أي أحد يلومه بل وتوجه اللوم إلى حماس.
ما يحدث في غزة جعل العالم يعيش لحظة مؤلمة، بل نقطة فارقة، يحلم الحالمون وأصحاب الضمائر بأن تكون لدى أقوى دولة في العالم أخلاق مثل أخلاق المومس الفاضلة!.
كاتب مصري