العدد 5506
السبت 11 نوفمبر 2023
من روسيا لفلسطين.. اتحاد الهدف والقضية
السبت 11 نوفمبر 2023


كلٌّ يُغني على ليلاه.. هذا كان فحوى ومضمون رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعرب والمسلمين، عبر كلمات مقتضبة بثَّها من على كرسي عرشه الكائن بموسكو، والتي رآها - من وجهة نظره - تُحلْحل القضية الفلسطينية المُعقدة منذ زمن، وتُساعد الفلسطينيين على الخروج من أزمتهم الراهنة؛ وذلك عن طريق مُكافحة مَنْ يقف وراء هذه المأساة من الأساس، قاصدًا أولئك الذين تُقاتلهم روسيا - أميركا وحلفاءها - في إطار العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا، وليس بأعمال الشغب واستهداف الأبرياء؛ كما يحدث في غزَّة الآن منذ ما يزيد على الشهر.
موقف الرئيس الروسي الذي وجَّه فيه اللومَ لمَنْ يقف وراء مأساة الفلسطينيين، والصراع الدائر في أوكرانيا، وفي أفغانستان وسوريا، مُستهدفًا النخب الحاكمة في الولايات المتحدة الأميركية، قائلًا: هم مَنْ يزرعون قواعد عسكرية في كل مكان، ويُريدون تقسيمنا من الداخل، ربما حمل رسائل كثيرة لقادتهم هناك، بأن سياسة الكيل بمكيالين انكشفت، وزعزعة الاستقرار العالمي مَعروفٌ مصدرها للقاصي والداني، وبوضوحٍ ودون مُواربة لمن يُغمض عينيه، هذه هي الحقيقة، وللجميع القرار إذا أرادوا الاستقرار، فليس من سبيل لنزع الحقوق إلا بالمواجهة.
بوتين يدعو دائمًا إلى إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما تتبناه موسكو على الدوام، وتلك هي الطريقة الوحيدة للتوصُّل إلى سلام عادل وشامل طويل الأمد، لا بالتسويف وخلق الحُجج، وإعطاء مساحة للطفل المدلل إسرائيل في أن تفعل ما تشاء تحت ذريعة الدفاع عن النفس، وكأنها المظلومة المقهورة طوال الخط، وليس لأحدٍ من حق في الدفاع عن نفسه سواها، إغفالًا وتمييعًا لقضية أصحاب الحقوق من الجذور، وردعًا للمقاوم الفلسطيني في أن ينتزع حقه ممن سلبه.
يقول الكاتب رامي الشاعر، إن على واشنطن أن تستوعب، قبل فوات الأوان، أن روسيا ستنتصر على "الناتو" في أوكرانيا، وأن الشعب الفلسطيني سينتصر في قضيته العادلة، وأن العالم متعدد الأقطاب سينتصر، ولا يمكن أن يوجد ما يحول دون ذلك، ويشير إلى أن روسيا رسميًا لا تُصنِّف حركة المقاومة الإسلامية حماس كتنظيم إرهابي، واليوم تقف روسيا وفلسطين وجميع أحرار العالم في خندق واحد يخوضون معركة واحدة ضد الفاشية الصهيونية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
ورفض مجلس الأمن الدولي مشروع قرار قدَّمته البعثة الروسية الدائمة، يدعو إلى وقف فوري وإنساني لإطلاق النار في قطاع غزَّة، بعدم حصول القرار على الأصوات التسعة المطلوبة، إذ صوتت 5 دول لصالح القرار، بينما عارضته 4، فيما امتنعت 6 عن التصويت، وهذا الشيء مؤسف للغاية من دول تصف نفسها بالمتقدمة، فأين حقوق الطفل وحقوق الإنسان وحقوق الحيوان وحقوق المرأة.. التي صدعونا بها ليلا ونهارا؟!
وقد صوتت روسيا والإمارات العربية المتحدة والجابون وموزمبيق لصالح القرار، فيما صوتت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان ضده، بينما امتنعت كل من ألبانيا والبرازيل وغانا ومالطا وسويسرا والإكوادور عن التصويت.
وانتقد خبير القانون الدولي محمد محمود مهران، الدول التي رفضت القرار الروسي، كونه ينسجم تمامًا مع ميثاق الأمم المتحدة ومسؤولية مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدوليين، حيث يدعو لوقف فوري لإطلاق النار من أجل وقف معاناة المدنيين في غزة، معربًا عن أسفه الشديد لرفض بعض أعضاء مجلس الأمن هذا المشروع الإنساني، واصفًا ذلك بأنه موقف غير إنساني يتنافى مع مسؤوليات هذه الدول تجاه حماية السلم والأمن الدوليين.
أتفق تمامًا، بأن رفض وقف إطلاق النار يعني مشاركة هذه الدول في المسؤولية عن استمرار قتل المدنيين في غزَّة، ويجعلها أيضًا شريكةً في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزَّة، فالقانون الدولي يُلزم جميع الدول بعدم الاشتراك في ارتكاب أية جرائم دولية أو المساعدة عليها.
أرى أن ما حدث يوم السابع من أكتوبر من هزيمة كبيرة للاحتلال، جن جنون إسرائيل وحليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية والغرب، وهي تُريد التخلص للأبد من حركات المقاومة، وفي الوقت نفسه تُريد شعبًا مستأنسًا مُسالمًا حتى إن انتهكت حُرماته وسُرقت أراضيه وقتل أبناؤه في كل لحظة، ولكن هيهات هيهات مهما يفعلون من دمار شامل وخراب ممنهج سينهض جيل جديد آمن بغشامة المحتل، وشاهد عيان على ما يحدث من جرائم حرب بحق الفلسطينيين في غزَّة.
لقد أحدث طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر هزة اقتصادية عنيفة في إسرائيل، فالحرب على قطاع غزَّة تُكلف الاقتصاد الإسرائيلي ما يقارب ربع مليار دولار يوميًا، وتحديدًا 246 مليون دولار، وفقًا لوزير المالية الصهيوني، هذا بخلاف خروج الاستثمارات الأجنبية من البورصة، فضلًا عن استدعاء 360 ألفًا من الاحتياط، الذين يُمثلون 6 % من إجمالي القوى العاملة في إسرائيل، يعمل أغلبهم في قطاعي السياحة والتكنولوجيا، بينما توقف قطاعا النقل والطيران بصورة تامة.
ختامًا؛ الأجيال المقبلة في فلسطين وبلاد العرب حتمًا ستنتصر؛ لأن ما يحدث الآن ولمسجدنا الأقصى يندى له الجبين، نساء تُقتل، وأطفالٌ يُحرقون، وكبار سن يُستهدفون، الجميع غير آمن في غزَّة حتى الصحافيين، وللأسف تتلقى قوات الاحتلال دعما كبيرا من معظم دول الغرب على مواصلة الجرائم البشعة بحق الشعب الأعزل، لكن في النهاية النصر للشعب الفلسطيني الصابر المجاهد المُحتسب.. ساعة النصر قادمة رغم الألم ورغم الدمار ورغم كل شيء، تلك رعونتهم خوفًا من المستقبل وانتهاء دولة المحتل.

كاتب مصري

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .