العدد 5495
الثلاثاء 31 أكتوبر 2023
قتل المدنيين من "جارودي" إلى غزة
الثلاثاء 31 أكتوبر 2023

يروي المفكر الفرنسي روجيه جارودي (1913 - 2012) حادثة كان لها أكبر الأثر على مستقبله، وهو مدين لها بحياته وإيمانه أيضاً، يقول: في الرابع من مايو عام 1941 كنا حوالي 500 مناضل من المعتقلين لمقاومتنا هتلر والنازية، تم تهجيرنا إلى الجزائر. وكانت حراستنا بين الأسلاك الشائكة في معسكر الاعتقال تحمل الرشاشات لتخويفنا، وفي ذلك اليوم نظمنا مظاهرة وكانت أوامر قائد المعسكر الفرنسي تمنع ذلك تماما، وأثار عصياننا حفيظته، واسشاط غضبا وأنذرنا أنه سيأمر بإطلاق النار إذا لم نعد على الفور إلى خيامنا، أنذرنا ثلاث مرات، لكننا مضينا في العصيان، فأمر حاملي الرشاشات الجزائريين بإطلاق النار علينا، فرفضوا، هددهم أن يضربهم بالسوط المصنوع من جلد البقر، لكنهم ظلوا على موقفهم، لا يستجيبون له، وما أجدنى حيا إلى الآن إلا بفضل هؤلاء المحاربين المسلمين، وعندما سألت عن سبب عصيانهم الأمر، قال أحدهم: مما يتنافى مع شرف المحارب أن يطلق رجل مسلح النار على رجل أعزل، هذه اللحظة الإنسانية النبيلة من هؤلاء الجنود كانت بمثابة الضوء الذي جعل جارودي بعد إطلاق سراحه يعمل على دراسة الإسلام، وينشر رسالته الأولى بعنوان "إسهام الحضارة العربية التاريخي في الحضارة العالمية"، ثم يلتقي الرئيس جمال عبدالناصر ويقدم له نسخة من الرسالة، وكذلك التقى علماء من الأزهر وألقى سلسلة محاضرات في القاهرة عن الاشتراكية والإسلام لتتوالى بعد ذلك كتبه وأطروحاته عن الإسلام وعدالته الاجتماعية في مواجهة الرأسمالية المتوحشة وصولاً إلى كتابه المثير "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، حيث نسجه من خلال الوقائع التي جمعها كاشفا زيف الأساطير والأوهام التي تحكم العقلية الإسرائيلية كأسطورة الأرض الموعودة لهم في فلسطين، وقيامهم بعمليات القتل والإبادة للشعب الفلسطيني تحقيقا لهذه الأسطورة المزعومة.

وهو ما يفسر هذه الإبادة والبربرية ضد المدنيين في غزة دون أي وازع من أخلاق أو ضمير.

وإذا كان المحارب الجزائري قد رفض أن يقتل "جارودي" فكسب الإسلام والعرب مدافعا في لسوفا، فإن ما يفعله الإسرائيليون من تدمير وقتل في غزة لن يكون وراءه الا القتل والتدمير أيضا كما حدث في 7 أكتوبر.

الأطفال الذين يخرجون من الركام وقد فقدوا ذويهم لن تمر سنوات قليلة حتى نجدهم يزلزلون الأرض بأعمالهم البطولية لتحرير تراب وطنهم.

كاتب مصري

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .