في تشخيصها للتربية والهوية في ظل الثنائية اللغوية
معصومة المطاوعة: العولمة “تذيب أغلب اللغات” وتبقي على اللغة الأقوى
-
تعلم اللغة الأجنبية يجب ألا يكون على حساب تهميش اللغة الأم
-
كثيرون ألغوا العربية كلغة تحدث أساسية واستبدلوها بالأجنبية
-
اعتقادات خاطئة بأن استخدام الأجنبية يدل على الوجاهة
وصفت أستاذ التربية المشارك بجامعة البحرين معصومة المطاوعة إشكالات تعليم اللغات الأجنبية وعلاقتها باللّغات الوطنية والهوية الثقافية بأنه “موضوع شائك”، ومرتبط بالعولمة التي تُذيب أغلب اللّغات وتُبقي على اللّغة الأقوى علميًا واقتصاديًا، معتبرةً أن قدرة الشعوب والأمم الأصيلة تظهر حيال ذلك من خلال دراسة الواقع وتذليل العقبات للحفاظ على أبسط حقوقها، وهو “لغتها” مهما كانت المغريات.
عقدة النقص
وطرحت المطاوعة في محاضرة استضافها مركز عبدالرحمن كانو الثقافي بعنوان: “التربية والهوية.. في ظل الثنائية اللغوية” وأدارها أستاذ النقد الحديث بجامعة البحرين خليفة بن عربي، طرحت عدة تساؤلات في تمهيدها للموضوع منها: “ما أثر الثنائيّة اللغوية على الأطفال؟ وما مفهوم الهوية؟ ومفهوم تفكك الهوية؟ وما أنواع الهوية؟ وما أهمية تعلم اللغة العربية للحفاظ على الهوية؟ وما تداعيات التحدث باللغة الأجنبية في المنزل؟ وكيف يمكن أن نعالج بعض إشكالات الهوية لدى الجيل الحالي؟ مسلطةً الضوء على محاور عديدة في سياق الموضوع منها ألا يكون تعلم اللغة الأجنبية على حساب محو الهوية وتهميش اللغة الأم للطفل وإلغاء ثقافته، بحجة أن اللغة العربية غير مفيدة في سوق العمل أو حتى الحياة، ولا يجب النظر إليها بدونية والشعور بعقدة النقص وهي ظاهرة نفسية تحدّث عنها ابن خلدون عندما ذكر “أنّ المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه وسائر أحواله ولغته، والسبب في ذلك أنّ النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها وتنقاد إليه مغالطة منها من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنّما هو لكمال الغالب”.
هوس الآباء
وربطت المطاوعة ما شهدناه في السنوات الأخيرة من طفرة لغوية كبيرة في إتقان الجيل الحالي للغتهم الثانية، والتداول الكبير لها مما له الكثير من الآثار الاقتصادية والأكاديمية والعلمية الإيجابية على الفرد والمجتمع، وهو أحد أهداف التنمية التي تسعى لها دول المنطقة، لكنها استدركت لتقول: “تركيز الاهتمام على اللغة الثانية، وزيادة خريجي المدارس الخاصة بشكل كبير، وهوس الآباء على إتقان أبنائهم اللغة الأجنبية، أتى للأسف على حساب اللغة الأم، مما ترتب وسيترتب عليه آثار سلبية كبيرة من أهمها تفكّك الهوية لدى الأفراد والمجتمع”.
إلغاء اللغة
ومضت في الحديث عن رغبة الآباء في إكساب أبنائهم لغة مفيدة تعينهم في التعليم الجامعي من جهة وعلى الحصول على وظيفة لائقة من جهة أخرى، هو أمر جيد لا خلاف فيه أو عليه، لكن الخلاف يقع عندما تتحول هذه الرغبة إلى هوس في تعلم اللغة الأجنبية وتحدثها بطلاقة كبيرة وإتقان لهجتها مثل ناطقيها لدرجة جعلت الكثير من العوائل تلغي اللغة العربية كلغة التحدث الأساسية وتستبدلها بالأجنبية.
عالٍ ومتحضر
ولفتت إلى أن هناك اعتقادات خاطئة بأن استخدام الأجنبية يدل على الوجاهة الاجتماعية والمادية، بل وحتى الثقافية على افتراض بأن اللغة الأجنبية هي انعكاس لوضع ثقافي عال ومتحضر، وللأسف هذه الاعتقادات لا أساس لها من الصحة، بالذات في المجتمع البحريني، فالبحرين هي الأولى عربيًا في نسبة القيد في التعليم الابتدائي والقرائية للكبار، كما بلغت نسبة التمدرس في الابتدائية 100 %.
وعي وإرادة
ولكن ما التحديات؟ تقول المطاوعة: “إن تشكيل الهوية أو الهويّات لدى الطفل ونماءها، هي نتاج لتفاعل مستمر مع من حوله، في البيت أولًا، ثم في الحضانة والروضة والمدرسة والمجتمع الأوسع، وهويّات الطفل المختلفة تنمو وتتعمق خلال مسار تطوره، فهو سيبني خلال الطفولة القيم والمفاهيم والمعتقدات المرتبطة بانتمائه الاجتماعي، والقومي، والثقافي، بالإضافة إلى مكانه في العالم، ولفتت إلى أن علاج المشكلة رغم صعوبته ليس مستحيلاً، لكنه يحتاج إلى اجتهادات على مستوى المسؤولين، والأهم من ذلك يحتاج إلى وعي وإرادة على مستوى الأسرة العربية.