يعتبر الفيلسوف اليوناني طاليس (623 – 546 ق.م) أول فيلسوف في الكون، وقد توصل إلى أن الماء أصل الأشياء، وأن الأرض تعوم فوق بركة من الماء.
هذا الفيلسوف الذي يعد أحد الحكماء السبعة عند الإغريق كان يعمل بالتجارة، خصوصا تجارة الملح، وحدث أن تعثر أحد بغاله في مجرى ماء وكان يحمل ملحا فذاب الملح في الماء وشعر البغل أن الحمل الثقيل على ظهره خف كثيرا، وبالرغم من كونه بغلا فقد جعل من التعثر في مجاري الماء عادة ثابتة في الذهاب والعودة، وحتى يواجه طاليس هذا التصرف العجيب من البغل قادته فراسته لأن يستبدل بالملح الثقيل حملا أخف وزنا من الإسفنج، وخاض البغل كالعادة في الماء لكنه تعلم منذ هذه اللحظة كيف يكون حريصاً على تجنب الوقوع في الماء بعد أن ثقل حمله.
زار طاليس مصر وتعلم من الهندسة المصرية التي شيدت الأهرام والمعابد، واستطاع أن يصل لاستنباط بأن زاويتي القاعدة في مثلث متساوي الضلعين متساويتان، أخذ هذه النظرية عن المدرسة المصرية ثم راح يعمل على إثباتها بشكل تجريبي، فقام برسم مثلثين متساويي الضلعين، وفي نفس الوقت هما متساويان في المساحة ثم وضع أحدهما فوق الآخر حتى تطابقا، ثم قلب المثلث العلوي ظهرا لوجه، وأعاد وضعه فوق المثلث الآخر فظل التطابق قائما رغم اختلاف الزوايا، بما يبرهن أن زاويتي القاعدة متساويتان.
وقد ساعدت الرحلات التجارية التي كان يقوم بها طاليس في الاستفادة من الحضارات في مصر والعراق، فهو لم يكن عالم رياضيات وفيلسوفا فقط، إنما كان من علماء الفلك أيضا، واستطاع أن يتنبأ بكسوف الشمس وخسوف القمر بناء على معطيات علمية أخذها من بلاد النهرين.
لكن الطريف في حياة طاليس أنه كان يسير في إحدى الليالي ناظرا ومحدقا إلى النجوم والكواكب حتى زلت قدمه ووقع في حفرة ماء، فقالت له سيدة عجوز: كيف لك أن تكشف ما في السماء إذا كنت لا ترى تحت قدميك.
هذه الكلمة التي قالتها السيدة العجوز رغم حكمتها إلا أنها تعبر عن معاني الجمود، ولو أن طاليس اهتم بالنظر تحت قدميه لتجنب الحفر أكثر من اهتمامه بالنظر إلى النجوم والكواكب لخسرنا نظرياته في الفلك، والعلماء الذين ينظرون إلى نجوم السماء أو ينظرون إلى أصغر ذرة في الكون هم الذين صعدوا بنا إلى أعلى درجات العلم لنقفز فوق حفر الحياة ومصاعبها وليس تجنبها فقط.
* كاتب مصري