العدد 5418
الثلاثاء 15 أغسطس 2023
ما بعد الإنسان
الثلاثاء 15 أغسطس 2023

في ذروة الحرب الباردة عام 1963 طرح الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل قضية مستقبل الإنسان قائلا: هل هناك مستقبل للإنسان؟ وهل يعد الخيار بين الاستدامة والانقراض أساسا لإطار مستقبلنا المشترك أم أن هناك خيارات أخرى؟
ثم جاءت الحداثة لتضرب الثوابت الفكرية بهجومها الشديد على الفن والمؤسسات والمتاحف والذوق الأكاديمي النقدي، كما هدمت الحدود بين الفن والحياة اليومية، وخلطت بين الثقافة الشعبية والثقافة الرفيعة، وعملت على مزج المختارات الأدبية بالسخرية والسطحية، ما أدى إلى انحدار أو تدهور الأصالة في الفن والفكر عموما.
ورغم كل ذلك لم تكن ضربة ما بعد الحداثة قاصمة للفكر والعلوم الإنسانية، حتى إن بدا الأمر مقدمة لما سيحدث مستقبلا، فبعد تدفق نظريات ما بعد الحداثة، وما بعد الاستعمار، وما بعد الصناعة، وما بعد الشيوعية، وصلنا إلى نظريات ما بعد الإنسان طبقا للباحثة في الفلسفة روزي بريدوتي، حيث بدأت الفروق تقل أو تزول بين الإنسان واللاإنسان، وأصبح من الصعب الفصل بين الإنسان والآلة، تطورت الآلة بشكل مذهل وغدت تقوم بالوظائف البشرية الروتينية والدقيقة وصولاً إلى الأعمال الفكرية والإبداعية مثل كتابة الشعر والروايات.. إلخ.
لقد أدى صراع الرأسمالية المتقدمة للسيطرة على العالم عن طريق الهندسة الوراثية إلى فصيلة جديدة منحرفة تهدد مركزية الإنسان في الكون، لذا يرى الباحثون في الفلسفة المعاصرة أن تداعيات ما بعد الإنسان ستكون وخيمة على العلوم الإنسانية التي حفظت الفكر والفن والإبداع. وفي معظم الديمقراطيات المتقدمة أصبحت دراسة العلوم الإنسانية أقل أهمية، وفي بعض الأحيان تعتبر هوايات شخصية أكثر منها مجالا بحثيا، بما يمهد الطريق لضياعها، لتختفي بذلك أحلام الإنسان وأفكاره وفلسفته وإبداعه، أي عوامل إنسانيته.. فماذا سيتبقى من الإنسان؟! أم أنه سيصبح مجرد ذكرى لكائن مر على هذا الكوكب.
كاتب مصري

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية