منذ أكثر من عشرين عاماً، وبالتحديد في العام 2000، كتب “بيل جوي” أحد مؤسسي “سن كومبيوترز” مقالاً بعنوان “المستقبل لا يحتاج إلينا”، قال فيه إن أقوى تقنياتنا في القرن الحادي والعشرين الإنسانية والهندسية والجينية والتقنية النانوية تهدد بجعلناً صنفاً مهدداً بالفناء، لأن مزايا التقنيات الحديثة تتضاءل أمام التهديدات الهائلة التي تسببها للبشر، وأن التقنيات تتآمر على تحطيم الحضارة، وحذّر من أن تنقلب ثلاثة من الاختراعات ضدنا.
الاختراع الأول: أن تهرب الجراثيم المهندسة بيولوجياً يوماً ما من المختبر وتدمر العالم، وربما تنطلق على نطاق واسع وتطلق فيروسات مميتة أسوأ من تلك التي ظهرت في العصور الوسطى، ويمكن أن نقول إن هذه النبوءة تحققت بفيروس كورونا الذي اجتاح العالم حوالي عامين زرع خلالها الرعب في القلوب والنفوس وهدد حياة الملايين حول العالم. أما الاختراع الثاني فيقول: ربما تتحول الإنساليات النانوية - أي الإنسان الآلي - إلى وحوش مستعرة يوماً ما، وتبذر كميات غير محددة من مادة رمادية لاصقة تغطي الأرض، وتقتل أشكال الحياة كلها، وبما أن هذه الإنساليات النانوية تهضم مواد عادية وتخلق أنواعاً جديدة من المادة فقد تعمل بشكل سيء وتصبح مسعورة وتلتهم معظم الأرض. والاختراع الثالث الذي حذرنا منه أن الإنساليات ستهيمن على الأرض وتحل محل البشرية، وأنها ستصبح ذكية جداً بحيث ننحى ببساطة جانباً، سنترك كملاحظة هامشية على عملية التطور، ولن تكون الإنساليات بأي معنى على الإطلاق أطفالنا، على هذا المنحى ربما ستضيع البشرية.
بعد نشر المقال قام كثير من العلماء بالرد عليه، منهم عالم الفيزياء الشهير ميشيو كاكو الذي قال إن هذه الآراء تحمل نوعاً من المبالغة، لكننا اليوم نميل إلى تصديق هذا التحذير، بعد أن عشنا وشاهدنا الخطر الأول يجتاح العالم، ومجرد أن تنفسنا الصعداء بزواله لاح في الأفق الخطران الآخران مع ظهور الذكاء الاصطناعي، ومطالبة الأمم المتحدة بوضع الضوابط للحد من خطورته. الشيء الغريب أن هذه التقنيات يتم تطويرها من قبل شركات خاصة، فتكون قدرة الدول على التحكم فيها محدودة، ليبقى السؤال: هل يستطيع الإنسان أن ينقذ نفسه من اختراعاته المدمرة كما فعل مع القنبلة الذرية أم أنه سيقف أمامها عاجزاً بعد أن تفوقت عليه؟!
*كاتب مصري